مسيرات العودة الكبرى كشفت مرة أخرى ضعف الاحتلال وهشاشته "يحسبون كل صيحة عليهم"، حتى إن "نتنياهو" صرح صبيحة يوم الأحد الفائت عن المتظاهرين على حدود غزة لصحيفة (معاريف) العبرية: "إنهم يريدون سحق الدولة اليهودية، ولن نمنحهم ذلك"، مع أنها مجرد مسيرات سلمية، لا أكثر ولا أقل.
غزة ومسيراتها للعودة ضربت في قلب منظومة الاحتلال الإستراتيجية، فحق العودة تقره الشرائع والقوانين الدولية كافة، وتوجه اللاجئين نحو الحدود ينسف حصون الاحتلال المتهاوية قريبًا، وهو توجه قانوني مسالم لا خلاف بشأنه، وبذلك باتت غزة المحاصرة والمضغوطة تحاصر الاحتلال بحقها وإنسانيتها.
لماذا كل هذا الخوف لدى الاحتلال من غزة المحاصرة جوًّا وبرًّا وبحرًا؟!، إنه الخوف من المستقبل المجهول، وخوف من ضعف وعدم صلابة كيان الاحتلال الهش والضعيف من ناحية الإيمان بفكرة ما يسمى (إسرائيل) الباطلة، وزرعها بالقوة في قلب العالم العربي والإسلامي.
حركت غزة بمسيرة العودة الكبرى المياه الراكدة، وأعادت توجيه البوصلة نحو التناقض الرئيس، بعدما أراد الاحتلال أن تستنزف في تناقضات فرعية داخلية، من قبيل تفجير موكب الحمد الله، فغدت غزة مركز الأحداث، وهرول إليها من هو حريص على البيئة دون أرواح مليوني إنسان في غزة.
وانظر إلى مزاعم جيش الاحتلال أن حماس ترسل أطفالًا إلى حدود قطاع غزة لمواجهة الجنود الصهاينة، مع أن المشاركين بالغون عاقلون يفعلون ما يريدون دون أوامر من أحد، كون حق العودة لا يختلف بشأنه اثنان.
عبر التاريخ السارق الظالم والمجرم يبقى مهزوزًا ضعيفًا، ولا يلوي على شيء مع جبروته الظاهر وقوته المصطنعة، وإلا كيف نفسر خوف كيان الاحتلال المدعوم غربيًّا بكل أنواع الدعم من غزة، ومن كل حر وشريف؟!
لو لم تبادر غزة بصنع الحدث وتنظيم مسيرات العودة الكبرى لكان الحصار قد خنقها أكثر وأكثر، وصارت في حال ترثى له، ولكنها دائمًا تبادر وتبعث روح الحياة من جديد، بعدما ماتت قلوب وضمائر كثيرة من حولنا.
من يصنع الحدث ليس كمن يستقبله، وشتان بين من يبادر بعد تخطيط هادئ، ومن ينتظر التغيرات الإقليمية والعالمية أن تنقذه وتخرجه من عزلته ومحنته وعذاباته؛ فالحياة لمن يبادر ويصنع الأحداث باقتدار، وليست للصامت المهادن المستسلم المنبطح للأحداث ولا يفكر بتغييرها إلى الأحسن.
"جمعة كاوشوك"، و"جمعة مولوتف"، و"جمعة اقتحام حدود"، لتكون "جمعة رفع راية النصر" في النتيجة النهائية، كون من يفكر ويخطط ويقدم تضحيات لأجل رفع الظلم وصوت الحق لن يهزم أبدًا، وإن خسر جولات بالنقاط.
قد تدفع غزة ثمن حريتها، وحرية قومها غاليًا، ولكنها لن تدفع قطرة دم ليست في وجهتها الصحيحة، فالاحتلال لا يُزَال بغير التضحيات، والاحتلال لا يفكر بالانسحاب ما دام لا يوجد ثمن يدفعه، ومن هنا إن غزة ستجبر الكيان العبري على دفع ثمن احتلاله، وهو ما يعني تفكيرًا جديًّا بعودة كل مستوطن لبلده الأصلي، وهنا "مربط الفرس".