فلسطين أون لاين

​استشهد "ياسر".. فمن سيُضحك "بيسو"؟

...
غزة - هدى الدلو

هنا الوجع.. في غزة، جرحٌ يأبى الشفاء، ويصر على النزف رغم مرور السنين، بدأ باستشهاد خمسة من أفراد عائلتها، ولم يندمل بعد، وها هو اليوم يُنكأ باستشهاد ياسر، ولكن ما الذي جمع الطفلة والشاب؟

الكثير منّا تساءل عن العلاقة التي تربط "بيسان ضاهر" بالصحفي الشهيد "ياسر مرتجى"، وذلك بعد أن انتشرت صور لهما معًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الصورة تضجّ بحب الحياة والضحكة الواسعة، ككل صور الشهيد.. "فلسطين" تسرد لكم الحكاية في السطور الآتية:

بدأت "قصة الحياة"

قبل أربعة أعوام، عمل الشهيد مرتجى جاهدًا على رسم الابتسامة على وجه الطفلة "بيسان"، فأثناء عمله في التصوير في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، شعر بوجود أنفاسٍ تحت ركام منزل مهدّم في حي الشجاعية بعد المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الحي وأهله، فترك عمله جانبًا، ليعثر على "الحياة المدفونة" برفقة أحد المسعفين.

نادى ياسر بأعلى صوته "فيه حد هنا؟"، فجاءه صوت بيسان ليقشعر جسده "أنا يا عمو.. طلعني من هنا"، فاستعان برجال الدفاع المدني والإسعاف ليخرجوا من هم تحت الركام، فتمكنوا من إخراج بيسان مع زوجة أخيها، ليكتب الله لهم الحياة من جديد، ومن هنا بدأت قصة الحياة مع ياسر.

منذ تلك اللحظة، ولم ينفك ياسر عن السؤال الدائم عن الطفلة، والاتصال بها للاطمئنان عليها، لم يتركها وحيدة، فقد كان بشكل دائم يصطحبها إلى المتنزهات والملاهي، والمطاعم أو أي مكان آخر تختار الذهاب إليه، هذا عدا عن الهدايا والألعاب التي كان يشتريها لها منذ أن عاهدها بعهد الأخوة بأن يبقى بجانبها يرسم على وجهها البريء البسمة التي غيّبها الاحتلال بسبب استشهاد أهلها.

"ياسر" الذي أوجعته قصة بيسان وعمل على نقلها للعالم من خلال فيلم خاص بها، رحل الجمعة الماضية وهو ينقل بعدسته إصرار الشعب الفلسطيني في غزة على حق العودة من خلال مسيرات سلمية، حيث أصيب برصاصة بالبطن أدت إلى استشهاده.

بيسان "11 عامًا" تشكو وجع الفراق للمرة الثانية، فقد أوجعها رحيله، وقد أخبرها بذلك شقيقها الذي تعيش معه بعد استشهاد والديها، وأصابها الخبر بالصدمة، فلم تعلّق عليه، وترجمت حزنها على الشهيد ببكاء متواصل ودموع لم تنقطع.

إنه المُنقذ

تلك الرصاصة اللعينة، لم تختر جسد ياسر فقط، إنما مزّقت قلب بيسان أيضًا، ومسحت الضحكة عن وجهها، وأعادت لها المعاناة من ألم الفراق من جديد.

"فلسطين" تحدّثت إلى الطفلة، قالت: "ذهبت إلى مدرستي وفي قلبي ألم لا يُقدرَّ حجمه، فبعد اليوم لن يرن هاتفي في كل يوم جمعة ليطمئن ياسر عليّ وعلى صحتي، ولن نتفق على المكان الذي نودّ زيارته للترفيه، ولن أستقبل منه الهدايا والدمى التي أحبها، ولن أسمعه وهو ينادي عليّ بلقب (بيسو)".

وعندما ذهبت إلى مدرستها في صبيحة استشهاد ياسر، بادرت زميلاتها بسؤالها عن طبيعة العلاقة التي تجمعها معه خاصة، لتجيبهن بصوت مكتوم أقرب للبكاء: "هو من أنقذ حياتي".

مما تتذكره بيسان عن صديقها الشهيد، أنه كان دائم السؤال عنها في المدرسة، وكانت صديقاتها تتمنين أن يلتقط لهن صورًا كما يفعل معها، كان يُضحكها كثيرًا، فلا تغيب بسمتها عن وجهها وهي بصحبتها.

قالت: "استشهاد ياسر أعاد ذاكرتي للحرب التي خطفت عائلتي مني".

ستفتقد "بيسو" صوت ياسر وضحكاته، اتصالاته ومفاجآته، ولكنها ستعمل على رد جميله بزيارة طفله "عبد الرحمن" الذي حرمه الاحتلال من والده كما حرمها من عائلتها، وستعمل جاهدة على رسم البسمة على وجهه الصغير.

ختمت حديثها ودموعها تنساب على خديها: "سأنتبه لدروسي أكثر، وأجتهد لأكمل دراستي لأكون من المتفوقات، وسأدرس الصحافة في الجامعة لأواصل مسيرة أخي الشهيد محمد، وياسر الذي أنقذ حياتي".