المتتبع لحالة الاستنفار العسكري والرسمي والإعلامي للكيان الصهيوني، يدرك حجم الخطر القادم إليهم من غزة، ويستشعرون أن مشروعهم الآن يعود إلى المربع الأول، وأن هذا التهديد هو تهديد وجود وليس مجرد هبّة أو انتفاضة.. وذلك للأسباب الآتية:
أولًا: هذا الذي يحدث من حيث الكم والنوع في خاصرتهم الجنوبية، هو أسلوب جديد من أساليب الاشتباك، هم درسوا سابقًا جيدًا الانتفاضة وأصبح لديهم الخبرة الكافية في مواجهة هذا الأسلوب من أساليب المواجهة، كذلك هم أعدوا أنفسهم للحرب القادمة قياسًا على الحروب التي خاضوها والحرب سجال.. لكن هذا الاشتباك بهذه الطريقة فهو لا شك جديد عليهم.. بهذه الطريقة يتم توظيف المخزون الهائل من الذكريات المريعة التي صنعوها على مدار سني احتلالهم للبلاد والعباد، ويجري كذلك مع هذه الذكريات الاشتباك الثقافي ببعده التاريخي والإنساني والسياسي والاجتماعي والقيمي والأخلاقي.
وبما أن العالم تغير كثيرًا ما بين النكبة عام ثمانية وأربعين وهذه الأيام من قوة الحضور الإعلامي والقدرة الهائلة للاتصالات بين أرجاء المعمورة، فقد أصبحنا وإياهم مكشوفين للعالم، وصناعة الصورة لأي دولة أو أمة مهمة ضرورية، فأي صورة يصنعونها لأنفسهم عندما نعيد حالة التطهير العرقي التي مارسوها في فلسطين إلى مربعها الأول، عندما تنكشف عنصريتهم البغيضة وعندما يظهرون بما أجرموا وسرقوا وطغوا على هذه الأرض، هؤلاء الناس المحاصرون من قبل هذا المحتل لهم وطن سليب، لهم أرض واسعة وحقول عامرة، وكانت لهم مدن وقرى أخرجوا منها بطرق مريعة.
هذا الكيان وهذا المشروع الصهيوني مارس الإرهاب ومارس ما يستنكره العالم أجمع، فعل فعل داعش وأكثر قبل سبعين سنة، وما زال مصرًّا على هذا الإرهاب، إذا جاءت جماعة هذه الأيام ووظفت الدين الإسلامي بطريقة شاذة قلبت دور هذا الدين من دين رحمة إلى دين توحش وقتل.
اسم هذه الجماعة داعش.. وبنفس الوضوح جماعة وظفت الدين اليهودي ووصلت به إلى التوحش والقتل وممارسة الإرهاب على الذين يطالبون بحقوقهم بطريقة سلمية.. هذه الطريقة الجديدة في الاشتباك مع المحتل أظهرت للعالم أجمع بأن هناك داعشًا ثانية وهي تقوم بنفس الأفعال منذ سبعين سنة، وما زالت تصر عليها وتدعي أنها ديمقراطية بل واحة الديمقراطية في هذه المنطقة المقفرة.. داعش لم تدّعِ هذا كما فعلت دولة الكيان.
ثانيًا: هذا الحراك الجماهيري يكشف كذب وافتراء القائمين على هذا المشروع الصهيوني، وادعاءهم بأنهم يحاربون منظمات إرهابية موجودة في غزة، ويبررون للناس أقسى حصار عرفته البشرية، هذا الحراك يرد السحر على الساحر ويحبط كل ما فعلوا وقالوا.. أنتم من تمارسون الإرهاب على شعب يعاني من احتلالكم منذ عشرات السنين.. أنتم بحصاركم الظالم أخرجتم الناس للاشتباك مع مشروعكم.. العالم اليوم أمام مشروعين: مشروع طاغٍ استبد وتجبر وأذاق الناس صنوف العذاب بعد أن أخرجهم من ديارهم وأقام حياته على حساب حياة شعب آخر.. ومشروع ثانٍ يريد أن يتحرر من هذا الاستبداد، ويريد أن تعود إليه حقوقه المسلوبة، أولها مدنه وقراه التي هجر منها، وثانيها التعويضات التي تتناسب مع حجم الإجرام والإرهاب الذي لحق به من هذا المشروع الصهيوني الداعشي، والذي أقام دولته بذات الطريقة المتوحشة قبل داعش اليوم بسبعين سنة.
ثالثًا: بهذا الفعل المفاجئ بنوعه وأسلوبه، فإنه يقطع الطريق أمام كل الصفقات التي باتت تلوح في الأفق وتراهن على وهن الحالة الفلسطينية والعربية، كل الذين يراهنون على أنهم قادرون على تمرير ما يريدون محلقين في أفق الهزيمة التي تغرق بها دول في المنطقة لم تستقل بقرارها ولا تملك سيادة على أرضها وشعبها، هؤلاء الآن يعيدون حساباتهم أمام الحالة الفلسطينية التي تعلو على المشهد المأزوم والمهزوم، بروح عالية تبدد ظلماتهم وتسطع بما تملك من قوة الحق وتجعل كل المتآمرين على حافة الهاوية ينتظرون ما لا يسرهم ولا يسر من والوهم.