فلسطين أون لاين

​ممرضة متطوعة

"رزان".. "أخت رجال" تقتحم "نقطة الصفر" لتسعف المصابين

...
غزة - مريم الشوبكي

تسلحت بمعداتها الطبية، ووقفت بين جموع المتظاهرين لتكون رهن الإشارة، فتركض لتضمد جراح من يسقط على الأرض مصابًا، لم يقف الخوف حائلًا أمام مهمتها الإنسانية، فاجتازت "نقطة الصفر"، ولم تعبأ بما سمعته من عبارات مُثبّطة: "كيف تركضين بين الرجال؟".. "هناك مسعفون سيقومون بالمهمة، ارتاحي".

المسعفة "رزان النجار" (20 عاما) من خانيونس، تدرس بكالوريوس تمريض، التحقت بدورات في الإسعافات الأولية والتمريض، تطوعت كمسعفة ميدانية في منطقة خزاعة الحدودية شرق محافظة خانيونس، في مسيرة العودة الكبرى التي انطلقت فعالياتها الجمعة الماضية.

تحت النيران

هي من صرخت في سيارة الإسعاف: "أنزلوني، لن أذهب من هنا!"، موجهة كلامها للمسعفين الذين عالجوها لحظة تعرضها للإغماء بعد استنشاقها الغاز المسيل للدموع، وسرعان عادت أدراجها إلى الميدان تُحدّث نفسها أنها لن تتوانى عن خدمة وطنها وأبناء شعبها طالما هي لا تزال تتنفس.

رداؤها الأبيض الملطخ بالدماء يحكي قصة كل مصابٍ استطاعت أن تنقذ حياته، وكل شهيد عملت جاهدةً على وقف دمائه النازفة ليبقى جسده ينبض بالحياة، فاستحقت أن يُطلق عليها لقب "أخت رجال".

تتحدث النجار عن قرارها بالتواجد في المنطقة الحدودية حيث المتظاهرين لتخدمهم بمهنتها، متناسية أي خطر قد يلحق بها، تقول: "أمتلك روحًا مغامرة، وبطبعي جريئة لا أخاف، وهذا أساس مهنتي، إذ لا بد من التعامل مع مشهد الدماء وأصعب الإصابات والجروح".

وتضيف في حديث لـ"فلسطين": "يوم الجمعة حملت المعدات الطبية، وتوجهت إلى المكان في الساعة السابعة صباحا".

وتتابع: "خرجت بتطوع ذاتي مني ولست تابعة لأي جهة، لأن مهنتي تحتّم عليّ إنقاذ الأرواح، فكيف إذا كانت تلك الأرواح هي لإخواني وأخواتي؟!".

مهنة المسعف هي من أخطر المهن؛ لأنها تتطلب إنقاذ أرواح في أماكن النزاعات والحروب، ومن يعمل فيها يحمل روحه على كفه في أثناء قيامه بمهنته الإنسانية، وفي فلسطين، لا حماية لأحد، فالكل مستهدف، حتى المسعفون رغم أن القانون الدولي يحرم استهدافهم، ويُلزم الأطراف المتنازعة تسهيل مهامهم.

ورغم الخطر المحدق بها، توضح النجار: "لم يمنعني أهلي من التوجه إلى حيث الجموع المحتشدة عند الحدود، بل هم أكثر الداعمين لي، ويفتخرون بما أقوم به".

وتبيّن: "كنت في مرمى النيران لأقدّم الإسعافات الأولية للمصابين، وتعرضت لإطلاق النار ثلاث مرات، ولكن عناية الله حالت دون إصابتي".

أصعب المواقف

وعن أول أيام مسيرة العودة، تقول: "يوم الجمعة كان صعبًا للغاية، فعدد الجرحى كان كبيرًا، وهذا تطلب مجهودًا عاليًا مني، إضافة إلى معدات طبية، فما أحضرته قد نفذ، فأسرعت نحو أقرب صيدلية لشراء المزيد من المعدات، وعدّت لأكمل عملي".

وتضيف: "إسعاف الجرحى لم يكن صعبًا بالنسبة لي، ولكن الأصعب هو أن تسعف من سقطوا في المنطقة الخطرة الأقرب لقناصة الاحتلال، والتي تسمى نقطة الصفر، حيث لا يستطيع أي مسعف الوصول إليها، ومع ذلك تجرأت وركضت لإسعاف ثلاثة شبان سقطوا، فيها، نجحت في ذلك، رغم محاولات منعني وثنيي عن الذهاب خوفًا على حياتي".

من المواقف الصعبة التي عاشتها يوم الجمعة، أنها كانت على مقربة من المشهد الذي انتشر بقوة في مواقع التواصل الاجتماعي، والذي ظهر فيه شاب يحمل عجل "كاوتشوك" لإشعاله بهدف حجب رؤية القناصة للمتظاهرين، فاستشهد برصاصة في الرأس، فذهب آخر لينقذه وحمل "الكاوتشوك" عنه فأردته رصاصة مباغتة في حنجرته شهيدًا.. وعلى بعد أمتار قليلة من الشابين، كانت "النجار" تسعف مصابا ثالث.

وتذكر أيضا مشهدا مؤلما لطفل لا يتجاوز ثماني سنوات، أُصيب في رأسه، حملته بين ذراعيها والدم يسيل منه وجزء من جمجمته يتدلى.

وتؤكد أنها لا تزال تتوجه يوميًّا إلى منطقة خزاعة الحدودية، وستستمر في ذلك حتى انتهاء فعاليات مسيرة العودة الكبرى في منتصف من مايو/ أيار القادم.