الأرض كانت وستظل هي القضية الأساسية الأولى لدى الشعب الفلسطيني، وقد سعت الحركات الصهيونية بكل الوسائل للسيطرة على الأرض وما تزال سلطات الاحتلال الاسرائيلية تصادر الأرض وتقيم المستوطنات وتعمل على تهجير المواطنين الفلسطينيين بكل الأشكال والأساليب وقد سنت القوانين المختلفة لتحقيق أهدافها.
وفي عام ١٩٧٦ صادرت سلطات الاحتلال آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية بالداخل بدعوى أنها أملاك غائبين, والغائبون هم الذين شردهم الاحتلال ودمر بلدانهم وقراهم وتحولوا إلى لاجئين بالملايين حتى اليوم والغد، ومقابل «الغائبين» كما تصفهم (إسرائيل) فقد شرعوا قانون «عودة اليهود» ومنحهم كل الحقوق من كل أنحاء العالم في تناقض واضح وفاضح في المواقف العنصرية.
وبعد مصادرة الأرض بهذه الكثافة في عام ١٩٧٦ ثارت الجماهير الفلسطينية في الداخل من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب في ٣٠ آذار دفاعا عن الأرض ورفضا للممارسات الاسرائيلية، واستخدمت (إسرائيل) القوة كعادتها في هذه الحالات وسقط ستة شهداء وأصيب أو اعتقل المئات من المواطنين، وصار ٣٠ آذار من كل عام يوما للأرض الفلسطينية يخرج فيه المواطنون بالتظاهر ويعبرون عن مواقفهم بكل الأساليب منذ ذلك التاريخ حتى اليوم والغد، وغدا تحل هذه الذكرى ويستعد الفلسطينيون في كل الأماكن للتعبير عن تمسكهم بالحقوق والدفاع عن الأرض في وجه الغطرسة الاسرائيلية وأطماع التوسع والتهجير.
تستطيع سلطات الاحتلال بالقوة أن تصادر الأرض وان تقيم المستوطنات وان تشرد المواطنين وتهدم مساكنهم ومراكزهم ، ولكنها لن تستطيع أبدا كسر إرادة شعبنا وتمسكه بأرضه واستعداده للدفاع عنها مهما كانت التحديات ومهما صعبت الظروف، لأن الأرض هي البقاء وهي المستقبل وهي الحياة الوطنية.
٣٠ آذار وافق يوم الجمعة الماضي وقد احتشد عشرات آلاف الفلسطينيين في غزة لإحياء يوم الأرض.. وبدأت سلطات الاحتلال وكعادتها وسياستها التي لا تتغير، تستعد لمواجهة هذه الحشود، وأرسلت قوات ومئات القناصين الى خطوط التماس.. وهنا حدث الاصطدام بين المتظاهرين العزل والقوات المدججة بالسلاح وسقط ما لا يقل عن 15 شهيداً ونحو 1500 جريح.
اعلن الحداد العام في اليوم التالي احتجاجاً على أرواح الشهداء؟ فهل هذا هو المطلوب؟ ان الاضراب أساساً صار شكلاً ممجوجاً من الاحتجاج منذ الاضراب الشهير عام ١٩٣٦ الذي استمر ستة أشهر. ان الاضراب او الوقوف في الشوارع صمتا لمدة خمس دقائق أكثر فاعلية، ولاسيما أن يوم الاضراب (السبت) أساساً هو يوم عطلة رسمية، ولم يلتزم به الكثيرون.
وأسوأ من الاضراب أننا توجهنا الى مجلس الأمن والأمم المتحدة، ونحن نعرف تماماً بأن هناك عشرات أو مئات القرارات التي لم يتم الالتزام بها أو تنفيذ أي شيء منها، ومع هذا لم نصل الى أية نتيجة حتى في مجلس الأمن هذا.
وأسوأ من هذا وذاك أننا نتحدث عن القمة العربية القادمة في الرياض ونحن نعرف تماماً أن مبادرة السلام العربية الممتازة والعملية قد اتخذتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢ ومنذ ذلك التاريخ وهي في سلة المهملات ولا يلتفت إليها أحد.
لقد كنا نتوقع بدل الركض وراء مجلس الأمن والقمة العربية، أن تبادر السلطة، مثلاً، الى رفع العقوبات ولو جزئياً عن غزة وهذا الأمر لا يحتاج رجاء أو كتابا، بل هو واجب وتقدير لأهل غزة وشعبها البطل الذي ضحى بالغالي والنفيس للدفاع عن الأرض رغم الحصار والمعاناة, وما يزال يعاني أقسى أنواع الحياة والمعيشة بسبب الحصار والعقوبات.
إننا ندور في دوامة ويغيب المنطق والواقعية في سياستنا وتسود العواطف والشعارات ويدفع الثمن المواطن البسيط، ما الذي يمنع أن نكون عصبة واحدة وننهي انقسامنا، اذا كانت أرض فلسطين تجمعنا وهو ما شهدناه في مسيرة العودة من كل اطياف العمل الوطني والاسلامي والعامة الذين هبوا هبة واحدة؟ ويكفي انهم ارسلوا رسالة للعالم انهم مصرون على حق العودة، الامر الذي يدعو للتفكير بتبني هذا النهج من المسيرات الشعبيّة السلمية تعبيراً عن الحقوق على الأرض وليس فقط من خلال قرارات وشرعية دولية فشلت عملياً، وما يستدعي العمل فوراً هو أن دول العالم ما زالت تنادي بحل الدولتين الذي لم يعد منطقياً كما حلمنا. أقترح الْيَوْم أن ندعو كل الدول التي ما زالت تنادي بحل الدولتين لزيارة الأرض حتى نرى ما تبقى من الأرض وفلسطين التاريخية, ورحم الله الشهداء وشفى الجرحى من أبناء شعبنا.