فلسطين أون لاين

​استقاء العبر من اليوم الأول لمسيرة العودة

فكرت غزة وخططت، وحركت المياه الراكدة، وانطلقت من طور استقبال الحدث وتلقي الضربات، إلى صنع الأحداث والتحكم في مساراتها، ونجحت بامتياز في يومها الأول من مسيرة العودة الكبرى، حيث أجبرت رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، غابي آيزنكوت، ومعه آلاف الجنود على الحضور صاغرًا إلى محيط غزة، ليرتكب جريمة حرب بقنص 15 شابًا مدنيين وعزّل، كانت كل جريمتهم أنهم شاركوا بمسيرة العودة الكبرى لوطنهم في الـ48.

دم الشهداء الذين استشهدوا في اليوم الأول من مسيرة العودة الكبرى، لا يمضي سدى، وهي تضحيات ليست بالمجانية، كما يروج قصار النفس، وأصحاب فكر الهزيمة والانبطاح والاندثار، بل هو دم زكي يضيء الطريق لمن بعدهم من الشهداء، وأن الأرض لا يحرثها إلا عجولها، وانتظار التحولات الإقليمية وأن يهبط النصر من دون إعداد واستشهاد؛ هو عبث وغير مجدٍ، ولا يحرك الأوضاع ولا يصنعها، فها هي غزة مجددا توحد قوى الشعب الفلسطيني، فالمقاومة كانت دوما توحد ولا تفرق، بعكس المفاوضات التي حكمت الاحتلال أكثر فأكثر في رقاب الشعب الفلسطيني.

غزة التي كانت وما زالت تتلقى الضربات، وتنزف، بحصار جوي وبري وبحري، راحت تصنع الحدث باقتدار، ولا تنتظر وتصمت، وهي ترى الكل يحاصرها ويشدد من خناقه عليها، وراحت تحرك أوراق القوة التي تمتلكها، والحرية لها ثمن كبير وتضحيات، وهذا معروف في كل ثورات التحرر عبر التاريخ.

كل قوي مهما أوتي من قوة وجبروت له نقاط ضعف، والضعيف يمكن له بقليل من التفكير السليم معرفتها، واستثمارها لصالحه في معركة التحدي وطول النفس والوعي، ومعركة تحرير الأرض الفلسطينية، والقوي لا تدوم قوته، وإلا لخرب الكون، وهذا ضد السنن الكونية في العالم قاطبة، وإرادة الله قضت بالعدالة والتوازن في كل شيء، وبانتصار المظلوم على الظالم ولو متأخرا، وبعد أن تبلغ القلوب الحناجر.

إضرابات وحداد، ومسيرات واعتصامات، كلها أدوات مقاومة إن أجيد استخدامها في وقتها المناسب -هذا منوط بحكمة ومنطق القيادات- فإن الاحتلال يمكن له أن يهزم، ولو بالنقاط عبر عمل تراكمي، وفي جولات لاحقة، مخطط لها جيدا وليست عشوائية.

استدعاء الاحتلال آلاف الجنود على طول الشريط الحدودي مجهزين بالمعدات العسكرية، ومئات القناصة، وقيامهم بقنص مدنيين عزل، يشير إلى مدى خوف وهشاشة الاحتلال، الذي لا يرى غير القوة والقمع والقتل في حماية نفسه، وهو ما عرى المجتمع الدولي الذي لم يقدر على أن يدين مجزرة بشرية عبر مجلس الأمن.

من يمارس القوة والبطش والإرهاب، ويظلم الناس، ولا يرى غير نفسه، سريعا ما يهزم هزيمة نكراء، كون القوة الظالمة المتجبرة المجرمة، لا تدوم قوتها لزمن طويل، بل زمن قصير، والقوة الخيرة التي لا تظلم وتمارس العدل وتريد حقها تدوم وتدوم، ويذكرها التاريخ بخير، بعكس كل ظالم متجبر متغطرس.

كان بإمكان غزة أن تجعل ذكرى يوم الأرض مجرد ذكرى عادية، وتمر مرور الكرام، مع بعض بيانات الشجب والاستنكار، والاعتصامات والمناشدات كما جرت العادة، وكفى الله المؤمنين شر القتال، ولكنها أبدعت في مقاومتها السلمية الموجعة للاحتلال، دون التخلي عن المقاومة والاستعداد للحرب القادمة التي حتما سيفرضها الاحتلال عليهم، كما فرض ثلاث حروب عدوانية على غزة سابقا، فهو أصل البلاء وكل الشرور.

لن تهدأ المنطقة، ولن تتوقف الحروب، ما دام الاحتلال جاثما فوق صدور الشعب الفلسطيني والأرض المقدسة، ولا يريد إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، وغدا سيرغم "نتنياهو" وزمرته الظالمة المجرمة، على إنهاء احتلاله، فالأيام دول، والزمن يتغير ويتبدل، ودوام الحال من المحال.