فلسطين أون لاين

غزة ولو طارت

هناك مثل شعبي عنزة ولو طارت يضرب فيمن يصر على مقولته رغم رؤية الدليل دون أي لبس، يراه طائرا يرتفع في السماء ويصر أنها عنزة وليست طائرا؟!


هناك من يصر أن يرى غزة كما يحلو له أن يراها، قطاعا منكوبا، مأزوما، ضعيفا، فقيرا، مستضعفا، يعاني على أشد ما تعانيه الشعوب المقهورة والمظلومة.


ولكن وعلى الرغم من كل هذه الأوصاف الصحيحة نرى غزة أيضا طائرا يحلق في أعالي السماء، تخوض الحرب تلو الأخرى فتصنع توازن الرعب مع أقوى دولة في المنطقة وأشدها عتوًا وجبروتًا وظلمًا وقدرة على سحق الضعيف الذي يقل عنها قوة وعدة وعتادا.


نرى غزة تبدع وتحلق عاليا بسواعد رجالها وعزائم نسائها أساليب جديدة في فن المواجهة وتخرج للناس نموذجا لا يقل عن الحرب الفيتنامية في مواجهة الغطرسة الأمريكية فيما عرف حينها بحرب العصابات، فماذا نصطلح عسكريا على تسمية نموذج غزة بما أبدعت من صواريخ محلية الصنع والمواجهة عبر الأنفاق وهذه القدرة الفائقة على التغلب على حصار خانق يقترب من عشر سنوات، لم تكن فيتنام وحدها وإنما كانت لها حدود مفتوحة يأتي الدعم منها وتزود بالإمدادات أما غزة فيحاصرها القريب قبل البعيد.


نرى غزة تحلق عاليا وهي تنفرد بصبرها على لأوائها وآلامها، تعيش بكهرباء متقطعة فلا تجد بترولًا كافيا لمحطة كهربائها بينما جيرانها يغرقون بالبترول، نجد مياهها شديدة الملوحة لا تصلح للشرب الآدمي ولديها كثافة سكانية عالية في منطقة شحيحة المياه ومع ذلك تدير أزمتها المائية بطرق عجيبة.. معابرها مغلقة بإحكام ويضيق حال الناس في أسفارهم بطريق غير موجودة في أي بقعة على الأرض، وعن العلاج والمشافي حدِّث ولا حرج، تدفع إلى مثل هذه الظروف المعيشية القاسية كي تعلن الاستسلام إلا أنها لا تستسلم بل تصرّ على التحليق عاليًا.


ونرى غزة اليوم وهي تحلق عاليا في يوم الأرض فيخرج الناس أفرادا وجماعات ليكسوا الأرض بهذا الغطاء البشري وليرسلوا للعالم أجمع رسالة واحدة بكلمة واحدة: راجعون.. لم ولن ننسى ما حل بنا.. مدننا وقرانا التي هجرنا منها وجرت علينا عملية التطهير العرقي قبل سبعين سنة لن يسقط حقنا فيها بالتقادم، ستعود إلى أصحابها وهؤلاء الذين سكنوا ديارنا ليعودوا من حيث أتوا.. هذا العالم الذي مرر هذه الجريمة وما زال يشيح وجهه عنها تعرف غزة كيف تعيده إلى صوابه؟ كيف يخرج من ثيابه السوداء ومن عيونه التي لا يرانا فيها شعبًا يستحق الحياة إلى أن يرى حقنا في فلسطين وحق فلسطين فينا.


غزة اليوم وكما عهدناها دوما تبهر الناس بإبداعاتها ونجاحاتها الكبيرة، هي نموذج ومصطلح سياسي واجتماعي وإنساني جديد، يكفي أن نقول غزة لتأتي إلى أذهاننا المقاومة الفذة والصمود والتحدي والقدرة على الخروج من تحت الأنقاض والتحليق عاليا، إنها غزة التي طارت وحلقت عاليا وليست كما يصر البعض أن يراها العنزة التي لا تطير فيتنكر لمقاومتها ولصمودها ولقدرتها الهائلة على مواجهة كل قوى الظلم والطغيان التي تحيط بها من كل جانب، ولا بد أن ننوه إلى أن حديثنا عن غزة بكل تأكيد لا ينقص من الروح المقاومة الموجودة في الضفة رغم ظروفها الصعبة والقاسية.