إحياء ذكرى يوم الأرض في هذا العام كان مشهدًا رائعًا وذا نكهة مميزة، فلم يكن كما المعتاد في الاعوام السابقة من خلال اذاعة مدرسية أو زراعة أشجار في المفترقات الرئيسة أو الأماكن العامة أو المدارس وغيرها من الطقوس والفعاليات المألوفة.
هذه الذكرى رسمت المشهد الحقيقي لطبيعة شعبنا بكل ألوانه السياسية وقواه وفعالياته حيث اجتمع الجميع على القضايا الوطنية المصيرية، وعلى رأسها قضية الأرض التي تشكل لنا جزءا من العقيدة، لنؤكد للعالم بأننا، وإن اختلفنا وتهنا في دهاليز القضايا الصغيرة البسيطة، فإننا نقف سدًا منيعًا كالبنيان المرصوص حين يُراد لنا الموت والاندثار، خاصة في ظل هذه الأجواء الملبدة بغيوم الدمار والعبث بحقوقنا.
هذه المسيرات قد جعلت الاحتلال يستنفر كل قواته العسكرية والأمنية والسياسية لدراسة كيفية التعامل معها، حتى أن "أفيخاي درعي" الناطق باسم جيش الاحتلال نشط على مواقع التواصل الاجتماعي محاولًا اقناع أهل غزة بأن حماس تلقي بهم الى التهلكة لتحقيق مصالح خاصة، مؤكدا ً بأن قوات الاحتلال لن تتهاون معها، والغريب أنه استعان بفتاوى علماء مسلمين يؤكدون أن المسيرات والاعتصامات أمور الكفار وفوضى وليست من الاسلام في شيء، ولا عُرفت في التاريخ الإسلامي، وأنها شر لأنها تؤدي إلى الفوضى.
لقد حاول الاحتلال بث الكثير من الاخبار والاشاعات بأن حماس هي من تقف خلف هذه المسيرات، وهذه اتهامات تهدف من جملة ما تهدف إليه:
1- تشكيك بعض الفلسطينيين بعدم المشاركة بحكم ان حماس هي من تقود الحراك وتدعمه.
2- افراغ المسيرات من المضمون الانساني على اعتبار أن حماس مصنفة تنظيم ارهابي لدى دولٍ كثيرة ومنها عربية.
3- اظهار ان حماس ما زالت تسيطر على غزة ،وأنه ليس لعباس أي دور فيها.
لكن الرد البليغ على دعاوى أفيخاي وفتاوى من استعان بهم أن الجماهير الفلسطينية خرجت الى حيث الساحات المقررة رجالا ونساء كبار وصغارا ليؤكدوا أن بلادنا أغلى من أرواحنا، وأن حقنا في العودة هو حق مقدس.
وقد كنت شاهدًا على فعاليات احياء يوم الأرض شرق مدينة رفح ،وكان مما اعجبني :
1- أني رأيت، رجال ونساء واطفال شيوخ يشاركون يملئهم الامل بالعودة ،حتى أن بعض الفتيات اقتربن جدًا من منطقة تواجد الجنود الصهاينة، ورفعن الأعلام الفلسطينية.
2- اجتمعت عوائل كل قرية في خيمة ورفعوا شعار _راجعين، وجلس الاب مع الابن مع الحفيد.
3- قد حضر علم فلسطين وغابت رايات الفصائل، وهذا يؤكد ذوبان المصلحة الحزبية لصالح مصلحة الوطن.
4- تسارع الكثير للمشاركة يدل على أن حب الوطن _ وإن خفت بريقه_ بفعل ضغوط الحياة اليومية إلا أنه يبقى من ثوابت كرامة الانسان.
ومن باب الواقعية فإن مسيرة العودة لن تقضي لوحدها على دولة الاحتلال، لكنها تعيد رسم أولويات الشعب الفلسطيني وتحيى من جديد قضية اللاجئين التي يراد لها ان تنتهي، ثم إن النضال هو عملية تراكمية، وأن الشعب المبدع هو الذي ينتهج اساليب مقاومة تناسب ظروفه الداخلية وظروف المحيط، كي يحقق افضل المكاسب.
إن يوم الارض يجب أن يبقى يومًا يجسد حقنا في أرضنا قولًا وفعلًا، وعلينا أن نغرس في الأرض أشجار لتبقى شاهدة على أحقيتنا بها، وأن نغرس في نفوس أولادنا أن الأرض ليست للبيع أو للمساومة، وأن الارض كما الأم يجب أن نلبي ندائها حين تنادي.