على مرِّ العصور التي انقضت، نجحت الثورات الشعبية في إحداث تغييرات جذرية في واقعها السياسي، وأثبتت أن تأثير الحراك الشعبي له دور كبير في رسم إحداثيات الواقع.
ماذا ينتظرنا في نهاية آذار؟ يُعدّالزحف الكبير تجاه الحدود "مسيرة العودة الكبرى" من أهم التحركات التي يعول عليها نجاح الشعب في فرض إرادته.
لكن هناك أمور من الواجب مراعاتها لإنجاح هذا العمل الجماهيري الكبير، أهم هذه الأمور: التزام جميع الأطراف المحافظة على سلمية هذه التظاهرة الكبرى، وحمايتها من كل الأيدي العابثة التي يمكن أن تحولها إلى بؤرة تماس، من خلال استخدام القوة؛ ليصبح هناك فعل ورد فعل، ثم ينفرط العقد بعد ارتصاص قائمة الخسائر، وبث الذعر في نفوس المواطنين من خلال ردود الاحتلال على التظاهرة بأسلوب القوة.
إن مسيرة العودة الكبرى ستفقد أهم عنصر قامت عليه أهدافها، ألا وهو مبدأ السلمية، ثم العنصر الثاني وهو الاستمرارية، فلا يطمح الشعب لبضع ساعات من التخييم على الحدود، ثم التفرق على إثر التصادم مع الاحتلال أو غيره؛ لإخماد الفتيل المشتعل حينها. على الناس أن تعي تمام الوعي أن هناك أيدي ستحاول وسم هذه التظاهرة بالعنف، وستحاول أن تبث الذعر في صفوف المواطنين؛ ليتراجعوا.
على الناس أن يفهموا أن هذه التظاهرة شعبية لا تخدم أي جهة من الجهات السياسية بقدر ما تخدم الشعب ومطالبه. على أفراد المجتمع جميعا أن يكونوا على قدر المسؤولية، ويحاولون أن يعملوا على إنجاح هذا العمل الشعبي، والدعوة له، ودعمه بشتى الوسائل الممكنة. إن المشاركة في هذا التجمع الوطني الكبير يضع صورة الشعب الفلسطيني الباحث عن حقه أمام أنظار العالم. هذا العمل الشعبي الذي يطالب بحق العودة بالمقام الأول، وحقوق أخرى، منها رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، كل هذا يدعونا لنكون على قدر المسؤولية في إبراز صورتنا بالشكل الأمثل.
علينا أن ننظم هذا العمل من خلال المحافظة على أمن وسلامة المواطنين، ومنع المشبوهين من الاندساس بين صفوف المواطنين لإشعال فتيل الصدام، التعبئة الجماهيرية التي تناسب مقام هذه التظاهرة الشعبية، بث الوعي الكافي بأهدافها والنتائج المتوقعة منها.
استمرارية العمل الشعبي مع المحافظة على صورته الجماهيرية السلمية سيوجه أنظار العالم لها، لكن إن كانمجرد أمر نريد أن نتمه على عجل دون الوعي الكامل بأهميته، واستمراريته سيبوء بالفشل.
من الملاحظ أن بعض الأطراف تحاول التقليل من شأنه، والادعاء أنه متاجرة بالأرواح، وخسائر بشرية لا طائل من ورائها، وهذا بحد ذاته نرد عليه من خلال النجاحات التي حققتها الثورات الشعبية في بلاد شتى. وأن محاولة إخماد صوت الشعب وتثبيط معنوياته ليس من صالحنا، فالشعب يتعلق بأي قشة تزيل الغمامة عنه، فكيف نستهين بقوة الصوت وتأثيره في العمل السياسي؟! إن تسييس التظاهرة لصالح جهات سياسية معينة لا يصب في صالحنا كشعب، بل يصب في صالح الأطراف المعنية التي تريد لنا استمرارية الحصار، وتحجيم قضيتنا، وتقزيم الدور الشعبي، وكل هذا يخدم أطرافا معينة.
إن كنا نخشى الخسائر البشرية فما ظننت أن الشعوب نالت حرياتها بعيدا عن هذا النوع من الخسائر، ولو تصرفنا بشيء من الحكمة سنتغلب على هذه النقطة إن كانت محط الخلاف، بل وربما يتورط الاحتلال بها وحده، فيتعرض للإحراج الدولي، وإن لم يهمه ذلك، يهمنا نحن كيف عرضنا القضية، وكيف تناولها هو! إن الواجب الوطني يحتم علينا أن نشارك في إنجاح مسيرة العودة الكبرى، فالحقوق لا توهب، بل تسترد، وعلينا أن نستخدم كل الوسائل لاستردادها. وكما استخدمنا السلام لأعوام طويلة ولم يأتِ بنتيجة، فما المانع من استخدام وسائل الحراك الشعبي؟! والذين يطعنون في استخدام القوة، ها نحن نستخدم قوة تأثير الشعب مؤقتا، حتى تحسم الأمور.
إن عاصفة الزحف الكبير باتت فكرة ترعب العدو، وتؤرقه، فلنحسن استخدام الأمر لصالحنا.