بمرور يوم المياه العالمي والقيام باحتفالات بروتوكولية ننبه فيها إلى سيطرة الاحتلال على مصادر المياه في فلسطين، وأزمة المياه الخانقة وشح المصادر، وإن من المعروف حسب اتفاقيات أوسلو ترك موضوع المياه لمفاوضات الحل الدائم، وبقي الحال على ما هو عليه وهو السيطرة الكاملة على المياه الفلسطينية، وليس هذا فحسب بل قامت بإحداث اختلال بيئي على جودة المياه كنتيجة للاستغلال الجشع لمياهنا من قبل سلطات الاحتلال؛ لأن كميات المياه المسحوبة من المخزون الجوفي فاقت الوارد من كميات المياه التي تأتي بها الأمطار. وهذا واضح في قطاع غزة، حيث وصلت نسبة الأملاح إلى درجة أن المياه الجوفية أصبحت غير صالحة للاستخدام البشري.
ويقولون إن نسبة كميات المياه للإسرائيلي عشرة أضعاف الفلسطيني، وهذا غير صحيح؛ لأنهم يحسبون ذلك على حسبة المياه الموجودة في الضفة الغربية؛ لأنهم يعتبرون مياه بحيرة طبريا ونهر الأردن والمياه المتوافرة في الخزان الجوفي للساحل الفلسطيني مياهًا خالصة لهم وليس للفلسطيني أي حق فيها، وكذلك هل يحسبون المياه المستخدمة لأغراض الشرب فقط أم التي تستخدم للزراعة والصناعة؟ ولو حسبت هذه لكان حصة الفرد منهم نسبة لحصة الفلسطيني أكثر من ذلك بكثير. القصة باختصار الاحتلال سيطر سيطرة كاملة على المياه الفلسطينية واستثمرها أجشع استثمار ثم يبيعنا من مياهنا التي سرقها كميات محدودة جدًا ولا يسمح بأي مشروع مياه لا حفر آبار ولا خطوط ناقلة إلا بموافقته، والتي هي مستحيلة، إذ يشترط موافقة شركة مكروت الإسرائيلية والإدارة المدنية عوضًا عن اللجنة الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة، فلو وافقت واحدة لن توافق الأخرى فبقي الفلسطينيون على ذات الحصة من المياه قبل عام 67 رغم التزايد السكاني والعمراني.
والسؤال ماذا فعلنا اتجاه هذه الجريمة المفتوحة والتي تصيبنا في عصب حساس؟ ورغم اختراق سلطات الاحتلال للقانون الدولي بخصوص تقاسم المياه بشكل صارخ وضربها لكل المواثيق والمعاهدات الدولية بهذا الخصوص عرض الحائط، إلا أننا لم نفعل شيئًا على الساحة الدولية إلا ما لا يغني ولا يسمن من عطش، عدا عن مشروع قناة البحرين الذي كان فيه الفلسطينيون هم "الحيط المايل" والجانب الأضعف، إذ خرج من المولد بلا حمص ولغاية الآن لم يعلن عن الذي سوف يعود على الفلسطينيين، إلا اللهم من الممكن أن تبيع دولة الاحتلال مزيدًا من المياه المحلاة الناتجة عن هذا المشروع.. ولم يتطرق للمخاطر البيئية التي يجرها هذا المشروع للمنطقة ولا للطريقة الجشعة التي يستهلك فيها الاحتلال المياه التي تغذي البحر الميت مما دفعه نحو الانتحار التدريجي.
لم نفعل لغاية الآن فعلا تراكميا يجعل من ملف المياه ملفا ساخنا، ورغم أحقيتنا وعدالة مطلبنا إلا أننا مسوّقون فاشلون لملف المياه.. هل ننتظر حتى آخر قطرة ماء؟ حصة المواطن في منطقة الخليل لا تتجاوز الأربعين لترًا في اليوم، وفي بيت لحم تنقطع المياه في الصيف ما يزيد على الشهر، أما المستوطن فيزرع ويسقي محيط مسكنه ويجعل منها جنات.. وفي غزة حدث ولا حرج المياه بمجملها شديدة الملوحة ولا تصلح للشرب.
لقد بات المطلوب وبشكل فوري وعاجل التحرك القوي على الساحة الدولية ودفع المؤسسات الحقوقية والإنسانية لتضغط على حكومة الاحتلال لتفرج عن كميات معقولة من المياه وتنصف المواطن الفلسطيني حقه بحيث تصل حصته إلى الحصة التي أقرتها مؤسسات الصحية العالمية. المياه متوافرة في فلسطين ولكن المشكلة في غياب العدالة في التوزيع وفي سيطرة الاحتلال السيطرة العنصرية التي لا ترى الأحقية الكاملة للمياه إلا لإنسانها دون أي حق يذكر للإنسان الفلسطيني. هناك جهات متعددة تتابع ملف المياه بصلاحيات مختلفة ومتداخلة (سلطة المياه الفلسطينية، مجلس تنظيم قطاع المياه، اتحاد مقدمي خدمات المياه في فلسطين، والمؤسسات التي تزود المياه تزيد على عشرين مؤسسة)، ولكن أين متابعة حقنا في مياهنا؟ أين الحراك على الساحة الدولية الفاعل؟.. طريقة تصرف دولة الاحتلال بالمياه طريقة عدوانية وعنصرية بامتياز وتشكل فضيحة كبرى قانونية وإنسانية وأخلاقية.. ولكن من يعلق الجرس ويتابع قبل أن يموت الناس من العطش.