أجد تشابهًا كبيرًا بين روح طارق وروح غزة.. طارق له ماضٍ عظيم في الجهاد والمقاومة، قارع الاحتلال ردحًا من الزمن، أغاظهم وقتل منهم وكان شوكة في حلوقهم وشكل كابوسًا على صدرهم، وكم تمنوا أن تنشق الأرض وتبتلع طارق، فتحت له السجون أبوابها وكان له حضورًا كبيرًا في نضالاتها، صبر وصابر واشتبك مع حديد السجن وجدرانه العاتية ثم انتزع حريته بفضل وصاله بخط الفداء الحر الذي تداعى له سائر جسده المقاوم بالسهر وحمى التحرير وفك القيد والمؤازرة.
تماما كطارق كانت غزة، لها ماضٍ عظيم في الجهاد والمقاومة، قارعت الاحتلال وأغاظتهم وقتلت منهم وكانت وما زالت شوكة في حلوقهم، وشكلت كابوسا يربض على صدرهم، وكم تمنوا أن ينشق البحر فيبتلع غزة، كان لطارق سجونهم وكان لغزة حصارهم، إلا أنها صبرت وصابرت واشتبكت بكل عنفوانها مع إجرامهم، وانتزعت كرامتها وإباءها وعزها بسواعد أبنائها، نجحت في معركة صراع الأدمغة رغم شح إمكاناتها وضيق ذات اليد فيما يتوفر من دعم مادي عوضت عنه بالروح العالية، تخلى عنها حبل الناس فاستغنت بحبل الله حتى حققت أن تكون عصية على الاحتلال يحسب لها ألف حساب، ولا يعتبر غدوه فيها بدورياته العسكرية مجرد نزهة.. أصبح وضع الاحتلال صعبا وشاقا بكلفة باهظة الثمن بشريا وماديا فيما لو فكر العودة لغزة .
طارق الآن قد دخل مواجهة جديدة، يواجه المرض الصعب وفي نفس الوقت يواجه الظلام الذي يجتمع عليه دفعة واحدة ويرفض هذا الظلام أن تضاء شمعة في أعماقه القاسية، يرفض أي بصيص من نور يتسلل إلى فضائه المعتم، أية مواجهة هذه؟ إذا كان المرض أمر الله في حساباتنا رغم أن فترة مكوثه في السجن وإخضاع الأسرى لتجارب شركات الأدوية لديهم ليست بعيدة الاحتمال، إلا أن هذه الجبهة مع من يقفون في طريق علاجه دون مبرر أو منطق ينتمي إلى عروبة أو إنسانية أو نخوة أو رجولة أو خلق هي أشد وأعتى.. الأمة التي يفترض أن ترفعه عاليا وأن يكون تاجا على رأسها، هذا المجاهد الذي قدم ما قدم.. أهكذا تعامل الأمم أبطالها؟؟
وتماما كطارق هي غزة، تواجه آثار الحصار بكل ضراوة، البطالة والصحة والمياه والكهرباء والمواد الغذائية الأساسية، حصار القريب والبعيد، أصبحت الحياة المعيشية لغزة مهولة وفي غاية القسوة، وفي نفس الوقت تواجه الظلام الذي اجتمع عليها دفعة واحدة، الأمة المتفرجة والقريب المتشفي الذي ينتظر الانهيار على أحر من الجمر، إلا أن هذه الجبهة مع من يقفون في طريق عافية غزة الاقتصادية والاجتماعية دون أي مبرر عروبي أو إنساني ودون أن تتحرك لهم نخوة أو رجولة أو خلق لهي أشد وأعتى.. غزة على ما قدمت وعلى ما أوجعت هذا الاحتلال البغيض يفترض أن ترفع عاليا وأن تكون تاجا على رأس الأمة!! أهكذا تعامل الأمم من ضحى بالغالي والنفيس ليصنع إشراقة في ظلام هذا الزمن الصعب؟؟
أنت يا طارق من غزة وغزة منك، حالك هو حال غزة وحال غزة هو حالك.. لك أن تتبرأ من كل من يخذلونك ويخذلون غزة.. ولنا كذلك ولكل من كان له قلب أو في صدره ذرة كرامة أن يتبرأ من كل من يقف في طريق علاجك أو من يقف في طريق علاج غزة بما فيها من جروح وآثار عدوان صهيوني مدمر. وإذا لم تتحرك الدول فلتتحرك الشعوب المؤمنة بروح الحق التي تسري في عروق جعفر وهي ذاتها التي تسري في عروق غزة وكل شهداء فلسطين وأرواحها العظيمة المعلقة بعرش الرحمن وروح أسراها الأحرار النابضة بالقدس وفلسطين وكل من واجه ظلام الاحتلال مرة..