فلسطين أون لاين

​نساءٌ يترأسن أسرهن.. والأوضاع الاقتصادية السبب الأول

...
غزة - صفاء عاشور

لم يعد غريبا أن تعيل سيدة فلسطينية أسرتها وتوفر لها كافة احتياجاتها، فالظروف الاقتصادية الصعبة دفعت النساء إلى الانخراط بشكل قوي في سوق العمل، لا لتحسين أحوال بيتها فحسب، بل لتولي أمره بشكل كامل، إما لغياب الزوج بسبب الانفصال أو الوفاة، أو لكونه عاطلا عن العمل.

وحسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن عام 2017، فإن حوالي 10.6% من الأسر الفلسطينية ترأسها نساء، بواقع 11.2% في الضفة الغربية و9.5% في قطاع غزة، وبالنسبة للقطاع فإن النسبة ارتفعت، حيث كانت 9.0% في 2016.

لا طعام

"الحاجة ثم الحاجة ثم الحاجة"، هكذا تحدثت دعاء محمد (32 عامًا) عمّا دفعها لتعلّم الأشغال الصوفية في إحدى الجمعيات الخيرية الموجودة في منطقة سكنها.

وقالت لـ"فلسطين": "أنا متزوجة، وأم لثلاثة أطفال، وصل تردي الأوضاع في حياتنا إلى عدم توفر الطعام في منزلي، وزوجي عاطل عن العمل، وإن وجد عملاً في يوم واحد، فإنه يجلس في البيت عشراً".

وأضافت: "سمعت من إحدى جاراتي عن دورة لتعليم فن الصوف والحياكة، وكان لدي شغف منذ صغري في تعلمه، وبعد عرض الأمر على زوجي التحقت بالدورة والتي استمرت لثلاثة شهور".

لم يكن الأمر صعباً بالنسبة لها، خاصة أنها تهوى الأشغال اليدوية، بالإضافة إلى أن الجمعية قدمت لها الكثير من المساعدة من خلال توفير المشورة وبعض الأدوات ومستلزمات العمل، كما قالت.

منذ سنة ونصف تقريبا، تلبي دعاء طلبات السيدات في الحي الذي تسكن فيه، حتى أصبحت مشهورة بأعمالها الصوفية، حيث تضيف للقطع التي تنتجها لمسات خاصة، وأحيانا تطلب السيدات تصميمات ترينها عبر الإنترنت، فتنفّذها لهن.

وبينت أن عملها خفف بشكل ملحوظ تردي الوضع المالي للأسرة، وأصبحت قادرة على توفير أهم متطلبات أبنائها الذين تزداد احتياجاتهم يوماً بعد يوم، الأمر الذي يدفعها إلى الإصرار على الاستمرار في هذا العمل والتوسع فيه.

أفضل من لا شيء

"دينا حمد"، خريجة جامعية من تخصص التربية الفنية، اضطرت إثر الوضع الاقتصادي السيء للعائلة إلى تعلم التطريز وتنفيذ العديد من الأعمال اليدوية، مثل المحافظ، وعلب المناديل الورقية، والتعليقات وغيرها.

وقالت في حديث لـ"فلسطين": إن "الأوضاع الاقتصادية صعبة للغاية، ولا تزال، فالمردود من وراء هذا العمل قليل، ولكنه أفضل من عدم وجود أي شيء في أيدنيا".

وأضافت: "مثل هذه الأعمال تحتاج إلى رأس مال ليكون المردود من ورائها مجدياً للمرأة العاملة فيها"، متابعة: "أشتري المواد الخام دون دفع ثمنها لصاحب المحل، وعند بيع أي قطعة أجعل جزءًا من ثمنها لسداد الدين".

وواصلت: "الحياة صعبة للغاية في ظل وجود أطفال يحتاجون لنفقات كثيرة لا يمكن للأب وحده توفيرها حتى وإن كان عاملاً، فهو يحتاج إلى مساعدة في ظل هذه الظروف من أي جهة كانت".

أما نداء الدوس، فاتجهت بعد أكثر من عشر سنوات على زواجها لتعلم مهنة قد لا تكون خطرت على بالها من قبل، فهي الأن تدير عملاً خاصاً بها وهو صنع الكيك والحلويات لمن يطلبها منها.

وعلى غرار من سبقنها، كان الوضع الاقتصادي المتردي والخصم من راتب زوجها، سببا في التحاقها بدورة في صنع الحلويات باختلاف أنواعها، والبدء بالعمل في هذا المجال الذي أصبح لها فيه بعض الزبائن.

وقالت لـ"فلسطين": "الأمر كان يحتاج إلى إرادة، فليس من السهل على سيدة تجلس في البيت لرعاية أبنائها الخمسة أن تتركهم".

وأضافت أن أول دورة التحقت بها كانت متخصصة في كيفية تزيين الحلويات، وبعدها أصبحت النساء يطلبن منها إعداد بعض هذه الحلويات في المناسبات الخاصة بهن.

وتابعت: "كان جميلاً أن أقوم بشيء أتقنه، وهذا ما دفعني إلى تطوير مهاراتي، والالتحاق بالمزيد من الدورات في تزيين الكيك والحلويات، حيث اكتشفت أن عالمًا آخر يدور في هذا المجال غير الذي نراه أثناء شراء الكيك أو تناولها".

وأشارت نداء إلى أنها في كل يوم تكتسب زبائن جدد، ومنهم من يكونوا قد سمعوا عنها من زبائن آخرين، منوهةً إلى أن الاتقان والدقة في العمل هما ما يحقق الانتشار بسرعة.

قليل رغم الحاجة

في السياق ذاته، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور معين رجب أن نشاط المرأة في سوق العمل لا يزال محدودًا رغم توفر فرص التعليم والعمل، مبينا أن التشريعات المتبعة في القانون الفلسطيني كلها تكفل حق المرأة في الحصول على العمل في أي مجال تريده لكي يتم الاستفادة من طاقتها.

وقال في حديث لـ"فلسطين": إن "المجتمع بحاجة لطاقاته الذكور والإناث، ولكل خصوصيته، فإذا شارك الجميع في العمل فهذا من شأنه أن يحقق إضافة للناتج الملحي الإجمالي ودخلاً للأسر نتيجة مشاركة المرأة بجوار رب الأسرة في العمل".

وأضاف: "في ظل ما نعيشه من مشاكل اقتصادية وركود وانخفاض في السيولة النقدية، أصبح من واجب المرأة أن تجتهد لأن تجد الفرصة الملائمة لها، وخاصة في الأعمال ذات الطابع النسائي، كالأشغال اليدوية والتطريز وتجهيز المأكولات".

وتابع: "توجد مجالات كثيرة يمكن أن تتميز فيها المرأة، وهذا يمنحها القدرة على الحصول على دخل يلبي احتياجات أسرتها، وكذلك يمنحها الحق في الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الذات بدلاً من أن تكون مجرد باحثة عن الإعانات من المؤسسات الخيرية".

وأوضح رجب: "صحيح أن السوق الفلسطينية مفتوحة أمام الجميع كل حسب خبراته، حيث لم تضع التشريعات سواء في فلسطين أو العالم مجالات محددة للمرأة، إلا أن الأصل أن تبحث النساء عن مجال العمل المناسب لهن، والذي يوفر لهن القدرة على العطاء والمساهمة في الإنتاج وزيادة الدخل".