فلسطين أون لاين

​في "القيسارية".. عرائس يُرجعنَ الذهب

...
غزة - نسمة حمتو

في سوق القيسارية، المعروف باسم "سوق الذهب"، تنظر الأربعينية "أم عبد الله أبو حليمة" بتمعن إلى المصاغ الذهبية المعروضة في واجهات المحلات، تدخل محلًا تلو الآخر، تبقى فيه نصف ساعة أو يزيد، وفي النهاية تخرج منه دون شراء شيء، فأوضاعها المادية الصعبة لا تسمح لها بشراء خاتم من الذهب تهديه لابنة أختها، التي كانت قد أهدت ابنتها خاتمًا في حفل زفافها، رغبت في "ردّ الواجب" بهدية مماثلة، ولكن الأسعار لم تسعفها..

وكحال "أم عبد الله"، يتجول في "سوق الذهب" غزّيون كثر، يجوبون المكان بحثا عن قطعة تلائم ما في جيوبهم، لكن ضيق الحال يجعل النتيجة واحدة لكثير منهم، وهي أن يغادروا السوق "بخفيّ حنين".. "فلسطين" رصدت حال سوق الذهب في جولة استمعت خلالها لما يقوله المشترون والتجار عن الركود الذي يعانيه السوق حاليًا..

أوضاع صعبة

بالعودة إلى "أم عبد الله".. زوجها واحدٌ ممن أُحيلوا للتقاعد الإجباري في الآونة الأخيرة، ضاق بها الحال، ولم تجد وسيلة لشراء الذهب سوى بيع قطعة من مصاغها، لتشتري بثمنها، فكانت تتنقل بين المحلات بحثًا عن أعلى سعر لبيعه.

تقول لـ"فلسطين": "بالكاد نستطيع توفير الطعام والشراب، لدي ثلاثة أبناء في الجامعة، ولا أعرف كيف سنتدبر أمورنا في الأيام القادمة، أوضاعنا في غزة تزداد سوءا يوماً بعد يوم، ولا أحد ينظر إلى حالنا بعين الرأفة وما هو قادم أصعب وأصعب".

ضعف شديد

"أم عبد الله" ليست الوحيدة التي ضاق بها الحال فهناك المئات من الشباب في غزة لا يستطيعون توفير المال لدفع المهر، وكثير من العائلات تضطر لدفع نصف المهر وتقسيطه لأهل العروس، فيما يضطر آخرون لدفع ألف دينار فقط للعروس كمهر لشراء الملابس والمستلزمات فقط دون شراء المصاغ.

"زياد أبو الخير" (45 عاما) لم يجد كلامًا يعبر به عن استيائه من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها، قال لـ"فلسطين": "حتى الهدايا بتنا غير قادرين على شرائها، فأصبحنا نستعيض عن الذهب، بالذهب الصيني، وفي أحسن الأحوال بذهب من (عيار 18)، وهذا سيئ للغاية، أن تُعطي أختك خاتمًا بقيمة 100 شيكل في حين أنها تستحق أكثر من ذلك بكثير".

وأضاف: "ليس أمامنا بدائل أخرى، فتقليص الرواتب أوصلنا إلى نقطة الصفر، حتى أصبحت العائلات التي كانت تتمتع بمستوى مادي متوسط، فقرة".

موسم الأفراح

الوضع ذاته يعيشه تجار الذهب في غزة فهم يشتكون من قلة الزبائن بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في غزة.

صاحب محل مجوهرات في سوق القيسارية بغزة، فهمي لولو، قال لـ"فلسطين": "الحركة الشرائية في الأسواق الآن ضعيفة جداً، رغم أننا مقبلون على موسم الأعراس، ولكن يبدو أن لا استعدادات له حتى الآن".

وأضاف: "من يشتري الذهب الآن، لا يشتريه للزينة، وإنما لادخار ما تبقى معهم من أموال، ولتأمين مستقبلهم بهذا الذهب، وأغلب هؤلاء يلجؤون إلى نوع معين من الذهب كي لا يتعرضوا للخسارة عند بيعه".

وتابع: "على الرغم من أننا عشنا ظروفًا صعبة خلال السنوات الماضية، إلا أن العام الحالي كان من أسوأ الأعوام التي مرت علينا، ولا ندري إن كنا سنعيش أيامًا أسوأ من هذه بعد".

وأشار لولو إلى أن الغالبية العظمى من المشترين اتجهوا نحو الذهب الصيني لتقديمه كهدايا في الأفراح.

حسب النوع

صاحب محل ذهب آخر، عماد أبو الخاطر، قال: "الإقبال على الذهب ضعيف للغاية، وسوق الذهب في أسوأ أحواله حاليًا، حتى أن شراء الذهب للعرائس تراجع".

وأضاف لـ"فلسطين": "الوضع الاقتصادي الصعب جعل الناس يتوقفون عن تقديم الهدايا في المناسبات، وكان الكثير من الشباب والشابات يشترون مصاغًا لأمهاتهم في يوم الأم، ولكننا اليوم لا نرى هؤلاء الزبائن".

وتابع: "كانت المهور سابقاً تصل إلى خمسة آلاف دينار، ولكنها تراجعت اليوم وأصبحت لا تكفي إلا لشراء المستلزمات الضرورية للعروس، وإن اشترت العروس ذهبًا، فيكون بكميات قليلة ونوعيات معينة حتى لا تتعرض للخسارة عند بيعه".

وواصل: "في هذه الأيام، بتنا نرى ظاهرة الكثير من الشابات يأتين إلينا بعد العرس بأيام قليلة، الواحدة منهن تتوجه إلى المحل الذي اشترت مصاغها منه، حتى يسد زوجها الديون التي تراكمت عليه بعد الزواج".

جودة الذهب

الأمر ذاته يعاني منه رمزي سرحان، وهو صاحب محل للمجوهرات، إذ قال لـ"فلسطين": "شراء الذهب ضعيف جداً، فأغلب الشباب غير قادرين على دفع المهور، وكثير منهم يستدينون المال ليتزوجوا، ويلجؤوا لبيع الذهب بعد حفل الزفاف لسداد تلك الديون".

وأضاف لـ"فلسطين": "الكثير من الناس الآن يشترون خواتم الذهب من عيار 18 فقط والتي يصل ثمنها إلى 100 أو 120شيكلا فقط، وهي مخصصة للهدايا، بدلا من شراء خاتم أفضل بمبلغ يزيد عن 300 شيكل كهدية لشقيقته أو ابنة أخيه مثلا".

وأرجع سرحان السبب في ضعف الإقبال على أسواق الذهب في غزة إلى الخصومات على رواتب الموظفين، مبينا: "الناس متخوفون من وقوع حرب، لذا من يدخر مبلغًا من المال، يحافظ عليه للاستفادة منه فيما بعد، فهو لا يضمن الظروف الصعبة".

حسام أبو صايمة، هو صاحب محل مجوهرات أيضًا، لكن يختلف قليلاً عند صاحب محل مجوهرات فرأيه يختلف عن سابقيه.

قال أبو صايمة لـ"فلسطين": "الإقبال على شراء الذهب ازداد في هذه الأيام لاقتراب الصيف الذي تزيد فيه حفلات الزفاف".