أعلن البيت الأبيض الأمريكي أن صفقة القرن تأجل الإعلان عنها إلى العام 2019، وقبل ذلك أعلن عن تأجيل نقل السفارة إلى الأمريكية إلى القدس إلى العام 2019. تأجيل ما لبث نائب الرئيس الأمريكي «بنس» أن تراجع عنه بالإعلان عن نقل السفارة في 14 أيار 2018 تاريخ الإعلان عن تأسيس الكيان الصهيوني على ارض فلسطين المحتلة عام 1948؛ قرار افقد الثقة بالإعلانات الأمريكية المتكررة حول سياستها تجاه المنطقة، وتجاه القضية الفلسطينية التي باتت تعاني من تخبط الإدارة الأمريكية وصراعتها الداخلية.
غموض الصفقة انعكاس لغموض الحالة الأمريكية ومستقبل الإدارة ذاتها وتحالفاتها؛ فالتقلب والنزق سمة أساسية لصناعة القرار الأمريكي، موحيًا بخلل وفوضى كبيرة تعاني منها أمريكا؛ فالعواقب السياسية الإقليمية آخر ما تفكر فيه، والقرارات متسرعة وبدون رؤية سياسية متماسكة أو جهاز بيروقراطي فاعل تعد ابرز أوجه الصفقة المتعثرة.
فالقرارات تأخذ طابع التذبذب، متقلبة بحسب الأجواء والمناخات القائمة في واشنطن، ولا يمكن التعويل عليها كثيرا في تحديد مسار الصفقة الأمريكية، فكلما تأزم موقف الإدارة الأمريكية تذهب بعيدا في الاندفاع نحو خطط ومشاريع متهورة؛ فالأسباب الدافعة للبيت الأبيض للإعلان عن تأجيل صفقة القرن تعود إلى الأزمة العميقة، والتوتر الكبير الناشئ عن إقالة تيلرسون وزير الخارجية، وتضارب الأنباء رغم النفي الأمريكي عن احتمالات إقالة مستشار الأمن القومي الجنرال «ماكماستر»، وإقالات بالجملة في وزارة الخارجية، وأخرى يتم الحديث عنها في البيت الأبيض؛ فالفوضى عارمة والفراغ اكبر من أن يتم معالجته من خلال النواة الصلبة للرئيس غرينبلات وكوشينر وايفانكا.
فوضى معززة بنقاش حاد حول إمكانية قبول الكونغرس الأمريكي ممثل بمجلس الشيوخ بترشيحات جينا هاسبل كمديرة لـ»CIA» ولبومبيو كوزير للخارجية، واحاديث أخرى عن إمكانية أن تقوم إيفانكا ترامب بتمثيل أمريكا في لقاءات مقترحة مع الزعيم الكوري الشمالي يقابلها فضائح من نوع آخر تتعلق بطلاق ابن الرئيس الأمريكي من زوجته واتهامات الممثلة الإباحية «ستيفاني كليفورد» بتعرضها لتهديدات في حال إفشاء المزيد من الأسرار عن علاقتها بالرئيس الأمر الذي ردت عليه الناطقة في البيت الأبيض بأنها تأخذ التهديدات على محمل الجد؛ ما يجعل من الحياة الجنسية للرئيس مسألة مستجدة تمس الأمن القومي الأمريكي، ولا تقل أهمية عن صفقة القرن.
فوضى بكل ما تعنيه الكلمة، وتأجيل الإعلان عن صفقة القرن من الممكن أن يتحول إلى تسريع للإعلان كوسيلة للهروب إلى الأمام، فالبيت الأبيض لا تتوقف عجائبه، خصوصا الإحباطات الناجمة عن مؤتمر واشنطن الذي تناول مستقبل قطاع غزة دون حضور الفلسطينيين، أو بعد تقدم التحقيقات المتعلقة بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لتمس دولا عربية فاعلة؛ ما يهدد بتفجير الصفقة وبشكل مفاجئ؛ فالأطراف المشاركة بصفقة القرن كلها تعاني من أزمات وإشكالات خطيرة، والمفارقات المتولدة عن هذه الفوضى تجعل من إمكانية التنبؤ بمسار السياسية الأمريكية شبه مستحيل، وللخروج من الفوضى من الممكن أن تلجأ الإدارة إلى تعميقها أو محاولة تصديرها بين الفينة والأخرى إلى حلفائها، مهددة بوصول المنطقة العربية إلى نقطة حرجة، خصوصا في الملف الفلسطيني لتفجر الموقف على حين غرة.
صفقة القرن غامضة، ومسارها غامض، وأطرافها مرتبكة ومأزومة؛ ما يجعل من مصيرها اشد غموضا بكل ما تعنيه الكلمة؛ ما يوفر فرصة للفلسطينيين لترتيب أوراقهم وتحالفاتهم، والاستعداد لجولة من المواجهة مع المشاريع الأمريكية الصهيونية لتشويه هوية المنطقة العربية.
فوضى تزيدها إرباكا تطورات المشهد في سوريا، والتأزيم المتواصل للعلاقة الأمريكية الإيرانية، والأمريكية التركية، والروسية الأمريكية، والصينية الأمريكية.
صفقة القرن تزداد غموضا والتباسا؛ إذ ستتحول إلى عبء على الإدارة الأمريكية وحلفائها بمرور الوقت، موفرة الحافز للمتضررين من هذه الصفقة لمقاومتها وإعاقتها، وتحويل فشلها إلى نصر بكلفة منخفضة جدا؛ فالأطراف المشاركة فيها وبنودها والموارد المخصصة ذات طبيعة خرافية مضحكة تشير إلى فشل لن تنقذه الإعلانات تقديما أو تأجيلا.
الدستور
الأردنية