د. فايز أبو شمالة
لقد تم تطبيق ما يهم الإسرائيليون من صفقة القرن على أرض الواقع، ولا داعي للإعلان الرسمي عن صفقة ستقيد ببنودها أطماع الإسرائيليين المتطرفين، وستخلق حالة من الجدل في أوساط الأحزاب الإسرائيلية، قد تتطور إلى حل الكنيست، وخسارة ائتلاف حكومي أنجز لإسرائيل ما حلمت به، دون استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، ودون لقاءات قمة، وقرارات ونقاشات ومباحثات، فالوضع الأمني مستقر، والقوانين الإسرائيلية في طريقها للتطبيق على الضفة الغربية، والحالة مطمئنة، والجو رايق بين السلطة والمخابرات الإسرائيلية، ولا داعي لتشويش هذا الانسجام من خلال مفاوضات عبثية، لن يخدم استئنافها إلا المحرضين على عملية السلام.
ذكرت ما سبق، حتى لا تأخذ البعض العزة بالإثم، ويدعي أن السيد محمود عباس، انتصر بصموده، ورفضه التفرد الأمريكي بعملية السلام، فأسقط صفقة القرن لمجرد عدم استقباله للمبعوث الأمريكي، وطرحه فكرة الرعاية الدولية بديلًا للمؤتمر الدولي.
إن معطيات الواقع تقول: لقد اكتفى اليهود من صفقة القرن بما تحقق على الأرض حتى الآن، ولا يريدون أكثر من ذلك، فالأحزاب الإسرائيلية لا تريد اتفاقات ومعاهدات تقيد أطماعهم، وتحد من رصاصهم، ولا يريد الإسرائيليون تفكيك الحكومة، والاختلاف على بنود صفقة القرن التي تزعج بعضهم، ويكفي الاستشهاد بتصريح رئيس الدولة رؤبين ريفلين الذي طالب قبل أيام بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل دفعة واحدة، ولا داعي لضمها على فترات، فالوضع الدولي والداخلي والمحلي والحياتي والسياسي والأمني يؤكد أننا الأقوياء، ولنا الحق.
وللتذكير، فقد التقى قبل عام المبعوث الأمريكي جرينبلات مع السيد محمود عباس، وعرض عليه شروط أمريكا لاستئناف المفاوضات، والتمهيد لصفقة القرن، وفق ما نشره موقع وللا العبري في شهر مارس من العام 2017، وقد تحققت الشروط الأمريكية بمجملها: وهي كالتالي:
1ـ على الفلسطينيين العودةإلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، وقد حاول السيد عباس لقاء نتانياهو برعاية بوتين، بهدف استئناف المفاوضات بلا شروط، ولكن نتنياهو رفض اللقاء.
2ـ مشاركة كل من مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية والأردن في المفاوضات القادمة. وقد تحقق ذلك في واشنطن قبل أيام، حين شارك إضافة لما سبق البحرين وقطر وعمان.
3ـ لن يكون هنالك تجميد كامل للاستيطان، وقد تحقق هذا الشرط، بعد أن سقط موضوع الاستيطان عن طاولة المفاوضات نهائيًا، وجاء بدلًا منه موضوع تبادل الأراضي.
4ـ على السلطة محاربة المقاومة ضد إسرائيل، ولا يكفي صدور بيانات عامة تشجب المقاومة. وهذا الشرط قد تحقق بلا أدنى اعتراض، وحرب السلطة ضد المقاومة ضروس.
5ـ الإدارة الأمريكية تريد أن ترى تغيرات حقيقية في النظام التعليمي الفلسطيني وتغيير أسماء شوارع سميت بأسماء شهداء، مع وقف التحريض عبر وسائل الإعلام الفلسطينية، وقد تحقق هذا الشرط، حين أزالت السلطة الفلسطينية النصب التذكاري للشهيد خالد نزال من مدينة قلقيلية.
6ـ توقف السلطة عن دفع رواتب لأسر الشهداء والأسرى القابعين في السجون الإسرائيلية، وقد التزمت السلطة بهذا البند، حين رفضت إدراج شهداء حرب 2014 حتى يومنا هذا، وحين حولت رواتب الشهداء والأسرى إلى الصندوق القومي.
7ـ أن يتم التحقيق مع المشبوهين بالمقاومة لمعرفة من خطط للعمليات، ومن أرسلهم ومن زودهم بالسلاح والمواد المتفجرة، واعتقال كل من هو متورط وتقديمه للمحاكمة. وهذا الشرط الوقح تلتزم به السلطة من قبل، فالأجهزة الأمنية لم تقصر في تنفيذ هذه المهمة، ولن تقصر أبدًا.
8ـ القيام بإصلاحات في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بهدف عدم حصولهم على راتبين، وأنا لا أملك معلومات في هذا الشأن، ولا دليل لدي يؤكد الالتزام بهذا الشرط من عدمه.
9ـ التوقف عن تحويل الأموال إلى قطاع غزة لأن ذلك يساهم في تمويل مصروفات حركة حماس. ولتحقيق هذا الشرط، فقد فرضت السلطة العقوبات الصارمة ضد سكان قطاع غزة كافة.
إضافة لما سبق، وبعد عام من تنفيذ شروط جرينبلات، أنجز الصهاينة ما يلي:
1ـ تم إزاحة القدس عن طاولة المفاوضات نهائيًا، كما قال ترامب
2ـ تم الهجوم على قضية اللاجئين: وتقليص المساعدات للأونروا بهدف تصفية القضية.
3ـ وافق حزب الليكود على تطبيق القانون الإسرائيلي على مستوطنات الضفة الغربية.
4ـ تم تطبيق القانون المدني على الجامعات في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
5ـ تواصل التعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والمخابرات الإسرائيلية رغم كل الممارسات الصهيونية، ورغم تجاهل قضية الأسرى، ولا سيما أولئك الذين خانتهم اتفاقية أوسلو.
بعد كل ما سبق، هل ظل حاجة للإسرائيليين لانتظار صفقة القرن، أو الحض على الإعلان عنها، أو السعي إليها، وهم يرون نتائج الصفقة تتحقق على الأرض انتصارات وأمن راسخ دون دفع أي ثمن سياسي أو ميداني.