محاولة اغتيال رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله والوفد المرافق له في غزة تحمل في طياتها مؤامرة جلية، حيكت بإحكام لإدخال البيت الفلسطيني مجددًا في حالة صراع، وبثّ روح الفرقة وإشعال فتيل الاقتتال. وهذه المحاولة لا شك أنها تحمل بصمات الاحتلال، الذي يتقصد الإيقاع بغزة، ولو كان التنفيذ بأيدٍ فلسطينية.
فالمستفيد الأول والأخير من هذا الفعل الخطير هو الاحتلال، الذي يحاول استخدام مكره في تعميق الحصار على القطاع، ودفع حكومة الوفاق إلى عزله بوصفه إقليمًا متمردًا، وضرب بعض الفلسطينيين ببعض، مستغلًّا المشاحنات بين حماس التي لا تزال تسيطر أمنيًّا على القطاع، والسلطة التي تطالب بالتمكين لها، ولجأ إلى هذا الأسلوب بعد فشل محاولاته لجر المقاومة إلى حرب، بفعل ضبط النفس الذي اتبعته الفصائل أمام التصعيد الإسرائيلي المتفاقم.
ومع هذا المنعطف الخطير على الفلسطينيين إفشال هذا المخطط، وذلك بضبط النفس وعدم كيل الاتهامات أو مباشرة التغطيات الإعلامية الانقسامية وسوق التهم دون دليل؛ فهذا ما يسعى خلفه الاحتلال، فالأولى في هذه المرحلة هو تشكيل لجان تحقيق لضبط المنفذين، وتوجيه أصابع الاتهام إلى الاحتلال، فالجرائم ليست غريبة عليه، والأمثلة كثيرة.
انجرار بعض الفئات والقيادات إلى المناكفات وإلقاء التهم جزافًا يحرف اتجاه البوصلة، ويعمق التوتر، ويزيد من حالات الاحتقان، ومن هذا المنطلق على القيادات الفلسطينية الوازنة العمل ضمن إطار المؤسسية، ومنع أي مسؤول من التطاول، أو التصريح دون علم وقبل صدور نتائج التحقيقات.
هذه الجريمة الرد الحقيقي عليها يكون بتكثيف الزيارات إلى غزة، والإصرار على رفع الحصار عنه، والتوجه الحقيقي إلى إنجاح المصالحة، فهذا كفيل بتحطيم كل المؤامرات الساعية إلى قتل غزة وعزلها، فالقطاع يحتاج إلى كل الدعم الممكن، فظروفه وصلت إلى حد الانهيار، من اقتصاد محطم وفقر مدقع، ومعابر مغلقة، وكهرباء مقطوعة، ومياه غير متوافرة.
التحديات كثيرة، والاحتلال لن يكتفي بجريمته هذه، وسيسعى بكل طاقته إلى تكرار هذا الفعل، فلابد من توحيد الجهود لإدانتها، وفضح أدواره السيئة، وتعزيز الروح الوطنية لدى الشعب الفلسطيني، ورفع وتيرة المقاومة للاحتلال، ووقف كل الاتصالات معه على كل الصعد.
فلابد من الاحتكام إلى الحكمة في إدارة الصراع مع الاحتلال، والتنبه إلى مكائده، وتعزيز جبهة الرفض له، وعدم الانجرار وراء ما يسعى إليه، وتعزيز صمود القطاع.