فلسطين أون لاين

​خرقة مصارعة الثيران وتفجير المواكب

يفترض من شعب يرزح منذ عقود طويلة تحت الاحتلال أن يتمتع بوعي أمني كافٍ بما اكتسب من خبرة وبما عاصر من كوارث كان سببها فقدان الوعي الأمني والتحليل الدقيق ورؤية ما وراء الحدث ومن يقف خلفه ومن المستفيد منه وما ستؤول إليه الأمور بعد حوادث كبيرة كهذه.

إن الوعي الأمني والخبرة السياسية كهذه كفيلة ان ترد كيد الكائدين الى نحورهم ، لن توصلهم الى أهدافهم ولن يذهب البعض بردود افعال عشوائية تزيد الطين بلة وتمكن من فعل هذه الافعال الاجرامية للوصول الى كامل اهدافه .

بداية المتضرر الاكبر من تفجير كهذا هو المضيف الذي يحرص بكل تأكيد على ألا يبدو مقصرا في حفظ الامن لمنطقة نفوذه ، ثم اذا أدركنا السياق السياسي والتوقيت الذي أتى به هذا التفجير أدركنا الهدف وبالتالي صرنا اقرب لمعرفة من يقف وراءه ، لقد أتى في وقت المقاومة وسلاحها مستهدفان ، هناك اصوات تطالب بنزع سلاح المقاومة وتوحيد شرعية السلاح وبالتالي القضاء على المقاومة ، أمريكا ودولة الاحتلال تطبخان صفقة القرن، وهذا أول اهدافها، تصفية المقاومة بكل تأكيد ثم ما تسرب منها وما رأينا من مقدمات منها القرار الامريكي بنقل سفارتهم الى القدس وما رشح من طبيعة العلاقة الحميمة بين نتنياهو وترمب كل هذا يشير إلى أن الهدف الاساس لصفقة القرن هو تصفية القضية الفلسطينية واعادة ترتيب المنطقة على حساب الهوى الاسرائيلي والامريكي . كذلك اتت في سياق المصالحة التي تسير متعثرة ومرتبكة هذا ان كانت سائرة وبالتالي فإن تفجيرا كهذا من شأنه ان يعقد الامر ويفرمل المصالحة . ان اثارة الشكوك او الشبهات حول المقاومة وسلاحها بمجرد انها تستهدف اي شيء آخر غير الاحتلال فيه ما فيه من التشويه لصورة المقاومة المشرقة .

لذلك فإن كل ذي لب او وعي سياسي وأمني لا يمكن ان يتهم المقاومة او حماس بأنها تقف خلف هذا التفجير ، كل المصالح والفوائد المترتبة تصب في جعبة الاحتلال ومن رهن نفسه للاحتلال، أما من يقف في المواجهة ويصر على مقارعة الاحتلال فأنى له ان يفكر في مثل هذا الذي هو بمثابة انتحار سياسي وأمني . فأي طرف يثبت تورطه في مثل هذا العمل يوقع نفسه في دائرة الشبهة أو على الاقل التقاطع مع اهداف وغايات المحتل ، فيخسر كثيرا على الصعيد الفلسطيني والعربي ولن تقوم له قائمة لأنها ستبقى وصمة سوداء في تاريخه النضالي حيث انحرفت بوصلته وصب الزيت على نار الفتنة الداخلية وضرب في العمق النسيج الفلسطيني الوطني والسياسي والاجتماعي .

وإن من الوعي الامني الفلسطيني الجمعي الحرص كل الحرص على معرفة اصابع الاحتلال ، ماذا وكيف تعمل وألا نرى الحدث بعيدا عن لعب الاحتلال ، لا يمكن ان نكون بعد كل هذه الخبرة مثل المثل الذي ضربه المفكر الجزائري مالك بن نبي في العلاقة بين المستعمر والشعوب المستعمرة ، يقوم المستعمر برفع الخرقة الحمراء كما يحدث في مصارعة الثيران فيضرب الثور الخرقة دون ان يرى اليد التي تلوح بها ليتلقى بعد ذلك ضربات موجعة من قبل المصارع .. بتنا اليوم كشعب فلسطيني نعرف تماما من يلعب مثل هذه الالعاب التي باتت سخيفة ومكشوفة .. نرى اليد التي تحمل الخرقة الحمراء دون ان ننطح بعشوائية او ردة فعل غير مدروسة سياسيا وأمنيا .. لا تغرنا الافعال المريبة ولا التصريحات المستفزة عن رؤية يد الاحتلال المجرمة .