القارئ لصفحات التاريخ يرى أن مقاومة المحتل لم تكن موضع نقاش وتساؤل، فهي من الأبجديات التي يجمع عليها الصغير والكبير، فمسألة مقاومة الاحتلال أو الاستعمار أو أيّ غزو كان هي من الأمور البدهية، وما تفعله غزة من مقاومة الاحتلال يتناغم مع السياق التاريخي، والضغوط عليها متوقعة دومًا.
ماذا نفهم من تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط "جايسون غرينبلات"، التي قال فيها: "إن حماس لن تشارك في أي حكومة ما لم تعترف بـ(إسرائيل)، وتسلم سلاحها وأسرى الجيش الإسرائيلي لديها"؟!، غير أن المقاومة تتقدم تحت الضغوط والحصار الشديد، وإنها تملك أوراق قوة.
المؤشر الذي يبشر بالخير أن المقاومة تجدي نفعًا، وتكلف ثمنًا غاليًا يدفعه الاحتلال هو كبر حجم الضغوط الكبيرة والحصار من الداخل والخارج ضد رمز المقاومة المتمثل في حركة حماس، وهذا ما أعلنه غرينبلات أنه لن يرفع الحصار حتى خروج حماس حركة مقاومة من موقع إدارة شؤون الشعب الفلسطيني وتهميشها وإضعافها، ما يكشف إلى أي مدى كم مجدية المقاومة في إضعاف العدو واستنزافه.
العجب العجاب يحصل في حالتنا الفلسطينية، وهو عكس التاريخ والمألوف والمتعارف، يريدون وقف المقاومة التي تقرها القوانين والشرائع الدولية كافة، بحجة أنها "إرهاب"، في الوقت الذي يسمحون بقتل وتهجير وطرد شعب بأكمله.
يقلب الغرب الحقيقة عندما يصف المقاومة بالإرهاب، فألمانيا حين احتلت فرنسا قاومتها فرنسا، وكذلك أمريكا قاومت بريطانيا العظمى وحصلت على حريتها واستقلالها منها، الروس قاوموا نابليون عند غزوه لبلادهم، فيتنام والجزائر قاومتا المحتل حتى خرج صاغرًا ذليلًا، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى.
لم نسمع في التاريخ عن أمة أو شعب استرد حقوقه أو طرد مغتصبه المستعمر بالحوار أي شكل من أشكاله، خاصة البناء منه الذي يطلق عليه الحوار العقلاني والعلمي، أو تحرر بشعار: "الحياة مفاوضات"، صحيح أنه لا مفرّ من الحوار في نهاية الأمر، لكنه يكون حوارًا من مصدر قوة، وليس من مصدر ضعف، كي يقنع القوة المحتلة بالتكلفة العالية وغير المحتملة في حالة استمرت في رفضها مطالب الشعب المحتل.
الحوار بين القوى الظالمة المتكبرة المغرورة بجبروتها والقوى المظلومة يكون بموقع الندية، التي تفهم المحتل أن هناك ثمنًا باهظًا يجب عليه دفعه في حال استمر في مراوغته واحتلاله.
إن المقاومة حالة تاريخية مستمرة، حيث يوجد الظلم توجد المقاومة، لكن هناك منتفعون في الحالة الفلسطينية يريدون وقف المقاومة ويصورونها أنها السبب في معاناة شعبنا لا وجود الاحتلال، ويلومون الضحية على ذبحها بدل لوم الجلاد، أمثال هؤلاء وجدوا في مختلف الثورات، ولكنهم سرعان ما يختفون لسرعة تحرك الجماهير ووعيها المسبق خطورة هؤلاء وضرورة إسكاتهم.
شعبنا سبب مأساته وطول معاناته هو فقط الاحتلال، لذلك يجب توجبه كل الطاقات والجهود لمقاومة هذا المحتل الغاصب، لا ضد المقاومة، أو إطلاق الصواريخ، أو غيره من عمليات المقاومة التي يعرف مدى مراراتها وألمها فقط الاحتلال.
من المشروع أن نسأل سؤالًا مهمًّا وحساسًا عن الفزع الكبير الذي يصيب أمريكا والكيان من المقاومة، هل كل هذا الفزع حرصًا على نفوس الفلسطينيين وراحتهم أم على راحة الاحتلال؟!، من يحرص على راحة الفلسطينيين فعليه أن يعيد لهم حقوقهم، ليخرج الاحتلال، بذلك تتوقف عمليات المقاومة التي لن يصبح لها أي داع أو أي مبرر بعد خروج الاحتلال.
في المحصلة الوضع الفلسطيني بحاجة لأي مصدر قوة كان، ومن أي كان، كي يدعم موقفه في الحصول على حقوقه ورحيل الاحتلال، وأصناف المقاومة وتعددها أحد أهم مصادر القوة لدى الفلسطينيين لمقاومة الاحتلال.