لا يوجد ما هو أصعب من الاعتقال، أن تفصل عن حياتك الواسعة بكل تفاصيلها إلى زنزانة يتحكم فيك سجان بكل شيء، تتحول من إنسان يختار أكله وشربه وفكرته وحركته، إلى أن يختاروا له دون علمه أو مشاركته أكله وشربه، يشلون حركته، ويحاصرون عقله وروحه، تماما كمن يوضع في قبر، والأصعب من هذا كله أن تعتقل المرأة وزوجها وأطفالها يشاهدونهم وهم يضعون القيد في يدها ويدفعونها إلى زنزانة متحركة لتنقلها خلف الشمس وتغيبها في ظلام السجون، أن يعتقل المرء ألف مرة خير من أن تعتقل زوجته وهو ينظر غليها تساق أمامهم دون أن يكون قادرا على فعل أي شيء، وأطفالها لا يقدرون على اللحاق بها أو حتى مجرد الاقتراب منها، ولكنه الاحتلال.
المرأة الفلسطينية طيلة عقود مقارعة الاحتلال وهي إما جنبا الى جنب مع الرجل او متقدمة احيانا كثيرة، يقع على عاتقها الحمل الاكبر من هذه المصابرة والمواجهة الساخنة التي لم يكد يخب أوارها الا واشتعلت من جديد، ذلك بأن هذا الشعب لا يتعايش مع الظالمين برجاله ونسائه، فلم يتخل الاحتلال عن اعتقال النساء ولم تفرغ معتقلاته منها وهو بذلك لا يحترم خصوصية امراة أو حتى طفل أو مسن أو مريض، الكل في ماكينة عذابه دون ادنى اعتبار لأية خصوصية.
تمر المراة الفلسطينية سواء كانت فتاة او طفلة او أمًا بمراحل العذاب ذاتها التي يمر بها الرجل، طريقة الاعتقال المريعة ثم الزنازين والتحقيق لتقضي فترة قد تستمر لعدة شهور وهي تواجه بمفردها زبانية التحقيق، يتفننون بوسائل واساليب لتحطيمها معنويا ونفسيا وجسديا، يمارسون كل اشكال العذاب ما بين النفسي والمادي، احيانا يركزون على النفسي واحيانا الجسدي، والحرمان من النوم لأيام طويلة والشبح وتناوب مجموعة من المحققين ليل نهار على امراة واحدة لإرهاقها نفسيا ويزيدون على المرأة أحيانا التهديد بالاعتداء الجنسي عليها. صحيح أنه لم تسجل حالة واحدة بأنهم اقدموا على هذا الفعل ولكن التهديد به وإلقاءه في وجه امراة تواجه بطشهم وحدها امر مريع وصادم وعلى اشد درجات القسوة، تستغرق المراة اياما طويلة من عذابات الزنازين وهناك المكر من خلال عملائهم ( العصافير ) واستخدام كل وسيلة مهما كانت خسيسة من اجل الوصول الى هدفهم فهم خير من يطبق الميكافيلية في مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ولا حدود لوسائلهم المجرمة.
بعد مرحلة التحقيق تقاد الى السجن حيث ظروفه التعيسة غير المهيأة لاحتجاز النساء المعتقلات على خلفية سياسية. كثيرا ما تزج الاسيرة مع معتقلات جنائيات ومع يهوديات دخلن السجن بتهم جنائية واجرامية والهدف من هذا الخلط هو اهانة النضال الفلسطيني واشعار المرأة الفلسطينية انها مجرمة او مخالفة للقانون او مرتكبة لجنحة، الا ان المراة الفلسطينية واجهت هذه الظروف القاسية واستطاعت ان تحفر في الصخر وتصل الى ظروف معيشية افضل بكثير مما يريد السجان. الحديث عن ظروف اعتقال الاسيرات طويل، اذ اننا لا بد من استعراض فترات تاريخية قاسية جدا واضرابات مفتوحة عن الطعام ونساء واجهن السجان والمرض في نفس الوقت والاعتقال الاداري للمرأة. الموضوع ذو شجون ولكن للمرأة الاسيرة في يوم المرأة نرفع القبعات ولا يسعنا الا ان نشيد بروحها العالية وان نؤكد أن العدو اللدود الاول للمرأة ودورها في مجتمعها هو الاحتلال لأن من شأنه ان يواجه نصف المجتمع خير له من ان يواجه المجتمع كله.