ربما لا يعلم بعض النشطاء العرب في مواقع التواصل الاجتماعي أنهم يقدمون خدمة مجانية لمسؤولي الاحتلال الإسرائيلي بمجرد وضع إعجاب "Like" لصفحاتهم، أو الإدلاء بتعليق "Comment" على منشوراتهم، أما أولئك الذين يعلمون، فالمصيبةُ في حالهم أعظم.
ويُلاحظ من خلال متابعة صفحات كتلك التابعة لمنسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة يؤاف مردخاي، والمتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، أن تعليقات وإعجابات متعددة تبديها حسابات يتحدث أصحابها بالعربية، لهذه المنشورات والصفحات.
البعض يعتقد أنه يتخذ هذه الصفحات والمنشورات وسيلة لمهاجمة مسؤولي الاحتلال، لكنه لا يدري أنه يساهم بذلك في زيادة التفاعل فيها، وأنه يقع ضحية للتطبيع، محققا بذلك أهدافا إسرائيلية بحتة، أما البعض الآخر من مستخدمي مواقع التواصل يضربون حقائق التاريخ والجغرافيا والقيم عرض الحائط، بدفاعهم الشاذ عن كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي يخالف أدنى معايير القوانين الدولية والإنسانية.
ويقول رئيس مركز الدراسات المعاصرة صالح لطفي، إن أدوات التواصل الاجتماعي "عابرة للقارات والدول والمدن"، مضيفا أن دولة الاحتلال معنية جدا فيما يتعلق بمجال تكنولوجيا المعلومات واستثمار هذه الأدوات مع العالم القريب والبعيد.
ويوضح لطفي لصحيفة "فلسطين" ثلاث مهمات تسعى (إسرائيل) إلى تحقيقها عبر مواقع التواصل، أولها التعرف على المزاج الشعبي العام، قائلا: "معروف أن الذين يتواصلون على سبيل المثال في صفحات "تويتر" مختلفون عمن يشاركون في "فيسبوك"، وبالتالي هناك رصد دقيق تقوم به المؤسسة الإسرائيلية لهذه الأدوات وتشريح الطبقات المجتمعية، والمشاركة، ومدى تأثير الدعاية الإسرائيلية عليها".
ويُبين أن مراكز ما يسمى "الأمن القومي" في دولة الاحتلال، ترصد الفضاء الإلكتروني وتتابع مدى تأثير رواية الاحتلال في الجماهير بالداخل المحتل أو في الضفة الغربية وقطاع غزة والعالم العربي، فالقضية الأولى هي تشخيص حالة مجتمعية ومدى إمكانية أن تستفيد (إسرائيل) منها.
المهمة الثانية –والكلام لا يزال للطفي- هي عملية اختراق تنفذها سلطات الاحتلال باستخدام مواقع التواصل، ويقوم بذلك أجهزة أمنية كـ "الموساد" و "الشاباك"، حيث تقوم بالتواصل مع بعض الشخصيات وقد حصل ذلك على مدار سنوات طويلة، لأن هذه تعتبر قضية "حاسمة" بالنسبة لـ(إسرائيل).
أما المهمة الأخرى، فهي محاولة دولة الاحتلال إلى "تثبيت وجودها"، فعندما تشهد صفحات مسؤولي الاحتلال تفاعلا مصدره الدول العربية، فهذا يساعدها على القول إنها موجودة في العقل العربي من خلال هذه الأدوات، وهي تسعى لإقناع الجميع بمزاعم مفادها أن لبقائها "ضرورة".
ويتابع لطفي بأن سلطات الاحتلال بعدما استطاعت أن تخترق معظم المؤسسات الرسمية العربية تعمل على اختراق "العقل العربي".
ويقول لطفي إن الإسرائيليين يقرون بأنفسهم، بأن مجرد مهاجمتهم على مواقع التواصل والدخول لمواقع شخصياتهم السياسية والأمنية والعسكرية هو بدايات للتواصل، وهم على اقتناع بأن هذا التواصل وإن كانت بدايته عدائية، فستكون بالقطع تطبيعية.
من جهته، يُرجع الناشط في مواقع التواصل وائل أبو محسن، هذه الحالة إلى سياسة التطبيع التي تنتهجها دول عربية مع (إسرائيل)، ومحاولة إظهارها وكأنها "دولة عربية جديدة أضيفت للدول العربية".
كما يقول أبو محسن لصحيفة "فلسطين"، إن وجود حالة خلاف وتناقض كبير بين الدول العربية والإسلامية، ساعد (إسرائيل) في فرض نفسها، وفي مساعيها "لمسح عقول العرب".
ويضيف أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يعمل على إيصال مزاعم للعقل العربي، بأنه "الدولة الكبرى المسيطرة، والتي تستطيع تنفيذ أي شيء تريده".
ويعتقد أبو محسن، أيضًا، أن "هاجس الخوف أدى إلى تطبيع علني"، متابعا بأن بعض العرب "يتنافسون في التطبيع مع الاحتلال، وهذا أصبح أمرا اعتياديا عندهم".
ويتفق الناشط الشبابي، مع القول، إن أي تواصل مع صفحات مسؤولي الاحتلال حتى وإن كان لمهاجمتهم بالتعليقات، يزيد التفاعل لدى هذه الصفحات، ويعطيها مساحة للوصول إلى قاعدة جماهيرية أكبر.
ويدعو الناشط الشبابي، جميع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى الحذر، مشددا على أن العرب يجب أن يتعاملوا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي على حقيقته، وهي أنه احتلال، وأن يكون ذلك عندهم ثابت لا يتغير.