فلسطين أون لاين

الإنذار الأخير

لا شك أن غزة التي يسكنها مليونا إنسان تمر بظروف معيشية صعبة للغاية بسبب الحصار الظالم المفروض عليها منذ عقد كامل والتي تجد نفسها بجزيرة معزولة عن باقي مكونات الوطن المسلوب الإرادة، وفاقدة الاتصال بالعالم الخارجي ولا من أحد مغيث أو يريد رفع الظلم الواقع عليها، وأصبح ضمير العالم ميت ومنظمات حقوق الإنسان لا علاقة لها وتصم آذانها وتغمض أعينها عن هذه الكارثة الإنسانية التي باتت أقرب إلى الانفجار.


غزة المنكفئة على ذاتها تحاول أن تنهض من نومها غير مصدقة ما يجري تحت جنح ليلها وفي أزقة شوارعها وحواريها ومصادرة هويتها وإحالتها إلى التقاعد المبكر لمعاقبتها على تمردها.


وحتى لا تتحول التنظيمات والأحزاب والتكتلات السياسية وحتى المقاومة إلى عبء على هذا الشعب بمعنى أن هذه القوى والفعاليات يجب أن تبتدع الوسائل والأساليب المتوافقة والمنسجمة وواقع الجماهير وتجنيبها المأساة والمعاناة في المسائل الحياتية اليومية وإلا فإن الكارثة ستكون شديدة حينما يتحول الصراع مع لقمة العيش إلى هم يومي يشغل بال كافة القطاعات الجماهيرية، لذا يجب وضع رؤية وطنية صادقة من شأنها أن تحكم حقيقة واقع الجماهير بالمسألة التنظيمية وبالقضية الوطنية عمومًا وبالمسألة المعيشية وتوفير مقومات الحياة والصمود معًا.


لقد أدركت غزة أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.. ولا بد من الانفجار للوصول للانفراج لتحقق حريتها وعيشها بأمن وأمان واستعادة كرامتها وترفض أن تصبح مفردة في خطابات المناكفة وتصفية الحسابات لتنظيمات وأحزاب، وفي نفس الوقت رغم المعاناة الحياتية لم تستسلم ولم ترفع الراية البيضاء ولا السوداء، وشعبها عنيد لم يتنازل عن حقوقه وثوابته أو أن يتعاطى والأطروحات الاستسلامية هنا أو هناك؛ لأن الجماهير التي ترزح تحت نير الاحتلال لا يجوز بالمطلق أن تتحول إلى خادمة لهذه التنظيمات وأن يتم زجها في أتون صراعاتها وخلافاتها سواء أكانت تلك الإيديولوجية أو السياسية أو حتى تلك السلطوية ومراكز النفوذ والقوى وصراعات الأضداد ما بين قبائل وزعامات منصة القول وجعجعة الكلام وإن كانت من ذات المنصة الواحدة الموحدة تحت راية صفراء أيضًا واحدة تتنازعها الولاءات.


أعتقد أن الانفجار الجماهيري قادم لا محال، فلم يعد هناك مجال للحديث عن إنذارًا مبكرًا، وربما يكون هذا إنذارًا أخيرًا موجّهًا للجميع بتحمل مسؤولياتهم والكف عن المزايدات وفقًا لإرادة جماهير الفقر والجوع، لا أن تتم إدارتها وكأنها إدارة لجمعية خيرية، وأن على الجميع في الوقت الذي ارتضوا فيه الدخول إلى الملعب السياسي الرسمي أن يدركوا أن التعاطي وقوانين هذا الملعب على أساس الثوابت الوطنية غير القابلة للتفريط، ولا بد من مغادرة الملعب في لحظة تاريخية إن كان هذا الملعب غير صالح للعب.