عقلية المستوطنين، فكرت، وقدرت، فقتلت كيف قدرت! حيث إن أمواتهم وقبورهم صارت تزحف على أراضي الفلسطينيين الزراعية لمصادرتها وضمها للمستوطنات، وترك الفلسطينيين بلا أرض يفلحونها، أو يعتاشون منها، وهو ما كشفت عنه صحيفة "هآرتس" العبرية في عددها أمس.
ما ذكرته الصحيفة العبرية، وما أوردته في تقريرها، يرى بالعين المجردة في أراضٍ خلف الجدار في واد عبد الرحمن الذي يتبع مدينة سلفيت، حيث أقيمت مقبرة للمستوطنين على بعد مئات الأمتار من المستوطنة، وذلك بهدف مصادرة الأراضي الخصبة التي تتبع للفلسطينيين من مدينة سلفيت، والملاحظ أن التقرير لم يرد ذكر مقبرة مستوطنة "أريئيل".
بشكل مدروس وبدقة، أقيمت المقابر على مسافة بعيدة من المستوطنات، تصل أحيانا إلى مئات الأمتار، وهذا ليس صدفة، فالمقصود "استثمار للمدى الطويل" كما تقول صحيفة "هآرتس" العبرية، وبعد المسافة الهدف منه واضح وهو المزيد من الاستيطان.
يضاف لزحف القبور والمصادرة فإنه يخشى أن يصور الاحتلال القبور وينشروها للعالم بهدف التضليل والقول إنها قبور أجدادهم وأنها أرض الأجداد في خرافات وخزعبلات دينية، وفبركات لتبرير سرقة الأرض ومصادرتها من أصحابها الأصليين منذ آلاف السنين.
ما ذكره التقرير أقل بكثير مما هو على أرض الواقع حيث اورد التقرير انه يوجد قرابة 600 قبر، في أكثر من عشر مستوطنات، أقيمت على أراضي فلسطينية خاصة، من بينها أراضي صادرتها "الدولة"، ولكن بالنظر إلى مقبرة مستوطنة "اريئيل" والتي لم ترد في التقرير فإنه يوجد فيها أكثر من عشرين قبرا، كما يوجد فيها قبر رئيس بلديتها السابق، كون الاحتلال يقول ان المستوطنة فيها بلدية تتبع بلديات "تل ابيب".
المعلومات رغم انها صادمة الا ان معطياتها ليست بريئة، فقد أعدتها ما تسمى بـ"الإدارة المدنية"، وجمعها وحللها "درور أتاكس"، الباحث في منظمة "كرم نبوت"، والذي يتعقب سياسة الأراضي والاستيطان، حيث تكشف المعطيات أن المستوطنين أقاموا في الضفة الغربية 33 مقبرة على الأقل، بعضها صغيرة وتخدم جاليات صغيرة، وبعضها إقليمية يدفن فيها المئات.
1400 مستوطن يهودي دفنوا في هذه المقابر، على حساب اراضي فلسطينية تزعم دولة الاحتلال ان بعضها اراضي حكومية، واورد التقرير اسماء المستوطنات وهي: بيت ايل، عوفرا، كوخاب هشاحر، بساغوت، عيلي، معاليه مخماش، محولة، الون موريه، كريات أربع (قبر السفاح باروخ غولدشتاين)، ميشور ادوميم، يتسهار، شفي شومرون وحفات جلعاد.
لاحظ ان رد الادارة المدنية على بناء المقابر، هو مدروس ايضا للمزيد من النهب، حيث قالت "نحن نعمل على تطبيق القانون في المناطق C، بما يتفق مع الصلاحيات والمعايير العملية"، وهنا تبرز مرة اخرى خطيئة او ثغرات اتفاقية "اوسلو"، التي وقعت بين طرفين غير متكافئين ويدفع ثمنها الشعب الفلسطيني بالتغول الاستيطاني الكبير وقتل حلم الدولة الفلسطينية المستقلة التي أقيمت بدلا منها دولة للمستوطنين.
في المحصلة، لا بناء قبور للمستوطنين يبقيهم فوق هذه الأرض أو تحتها، ولا يطيل من عمرهم، وكل محاولات الاحتلال السيطرة على المزيد من الأراضي لن يمنع أو يؤجل ساعة رحيلهم وعودتهم إلى بلادهم الأصلية التي أتوا منها.