ما تزال ذاكرة تاريخ فلسطين الحديث تزخر باسم التركمان القويّ، فهناك على جبال الساحل الفلسطيني، وعلى الأطراف الغربية لمرج ابن عامر السهل الواسع بين منطقة الجليل وجبال نابلس استقرت ثماني قبائل تركمانية بشيوخها، وهم قبائل بني سعيدان وبني علقمة وبني غرة وبني ظبية، والشقيرات والطواطحة والنغنغية والعوادين واستقروا في قرى المنسي وأبو شوشة وأبي زريق والغبيات ولد العوادين من قضاء حيفا..
عاشوا فلسطينيين وشاركوا في ثورة الشعب ضد الاحتلال البريطاني في الثلاثينات بقيادة الحاج حسن منصور وكانت قرية المنسي منطلق الثورة بالاشتراك مع ثوار جنين، وكانت مقر قيادة عمليات مرج ابن عامر، واستشهد العشرات منهم وأسر الحاج حسن منصور وأعدم رمياً بالرصاص ولا يُعلم أين دفن.
وفي حروب النكبة سقط عشرات الشهداء من التركمان مدافعين عن قراهم حتى نفذت ذخيرتهم، وهُجّروا من أرضهم إلى جنين والأردن والجولان وسوريا ولبنان، وشاركوا بقوة في صد الهجوم على جنين عام النكبة 1948م ، وكثيراً ما يشيد الناس بهم بعد صمودهم الأسطوري في ملحمة مخيم جنين من إبريل عام 2002م.
بعض هؤلاء التركمان هم من سلالة المقاتلين التركمان القدماء، وبعضهم من عشائر عربية مهاجرة سكنت بجوار قرى التركمان وتحالفوا معهم ونُسِبوا إليهم وصاروا يُعرفون بعرب التركمان التي انتظمت كلها في حلف عشائري عريق.
وجميع التركمان في فلسطين اليوم استعربوا تماماً وأصبحوا فلسطينيين مسلمين معروفين بشكيمتهم وفتوّتهم لاسيما في مواجهة الاحتلال.
تاريخياً فإن أعداداً كبيرة من التركمان الناوكية تتراوح بين 6000-12000 قدمت إلى فلسطين قبل الحروب الصليبية لدعم بدر الجمالي حاكم الشام من قبل الفاطميين ضد هجمات الأعراب وغاراتهم على الريف الفلسطيني، وجرت لهم إقطاعات في غور الأردن والمناطق التي تحاذي البادية، وكان المقاتل التركماني يتحرك تحت ظل سيفه ويحمل معه أسرته كلها أينما استقرّ.
وفي أثناء الحروب الصليبية وبعدها استمرت هجرات التركمان إلى الشام بحثاً عن المراعي الخصيبة والأمن، وانضموا إلى الزنكيين والأيوبيين في حروبهم ضد الفرنجة الصليبيين، واستعان بهم نور الدين زنكي في حروب العصابات في الجليل الفلسطيني.
وفي عهد صلاح الدين نظّم التركمان أنفسهم في تشكيلات عسكرية شعبية غير نظامية ولاسيما من القبيلة الياروقية، وكان بين قادة جيوش صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين قائد تركماني بارز، هو "مظفر الدين كوجك (كوكبورو)" من أربيل في شمال العراق، وانضمّ إليه لاحقاً القائد التركماني "يوسف زين الدين" أمير أتابكة الموصل في شمال العراق أيضاً، ولذلك أقطعهم صلاح الدين أراضي واسعة شمال نابلس.
وكان للتركمان الحزبنلدية وهم من تركمان الشام مشاركة فاعلة لصلاح الدين في تحرير فلسطين، كما قدم إليه مع القائد التركماني بدر الدين دلدرم خلق كثير من المقاتلين التركمان .
وقد كان لهؤلاء التركمان دور كبير في الدفاع عن القدس أثناء محاولات الملك الإنجليزي ريكاردوس استعادة القدس من الأيوبيين.
وفي عهد الظاهر بيبرس جرى توطين عدد كبير من مقاتلي التركمان وعائلاتهم على طول الساحل الفلسطيني في حراسة الثغور البحرية من هجمات الصليبيين الفرنجة، وشاركوا معه قبل ذلك في معركة عين جالوت، وكانت لهم أدوار في تأمين الطرق والإمدادات اللوجستية وجباية الزكاة وتوصيل البريد، وأوكل إليهم بيبرس الدفاع عن يافا بعد تحريرها.
وفي زمان المماليك التركمان والشركس ترسّخ وجودهم واستقروا في جبال نابلس وسهول جنين، وتزايدت أعدادهم في فلسطين بعد موجة هجرة جديدة أوائل القرن التاسع عشر.
وفي العموم فإن تركمان فلسطين هم نمط مقاتل من شعب فلسطين المحاربين الذين جعلوا من هذه الأرض موطنهم الوحيد ودافعوا عنه ببسالة فذّة وما يزالون.