فلسطين أون لاين

​أما آن لمربي الأجيال أن يركب سيارة محترمة؟!

صعقني مشهد شرطي يوقف معلما قد اشتعل رأسه شيبا لمصادرة سيارته التي تحمل نمرة صفراء، لم يسأل نفسه: لماذا اضطر هذا المعلم لقيادة هذه السيارة؟ لماذا لا يركب سيارة محترمة تحمل لوحة فلسطينية (مرخصة وقانونية) وتليق بمقامه ووظيفته التي من المفترض أن تكون ذات مكانة عالية وتتناسب مع دور القدوة المنوط بالمعلم؟ وقد لفت نظري أيضا عند مروري من أمام مدرسة وملاحظتي لسيارات المعلمين الراكنة على بابها أن نصفها تقريبا سيارات ذوات لوحات صفراء وقد تكون "مشطوبة".. هذا مؤشر خطير وواضح على مدى البؤس الذي يعيشه معلمونا ومربو أبنائنا.. حيث مقارنة بسيطة بين معاش مدرس في القدس ومدرس في الضفة تريك الفرق الهائل، ومع ذلك السيارة المستعملة ثمنها في القدس ثلث ثمنها في الضفة، لذلك يضطر مدرس الضفة أن يقود سيارة ترخيصها القدس ليخالف بذلك قوانين السير ويعرض نفسه للمساءلة ومصادرة السيارة وفي حالة التعرض لحادث فتلك إذًا الطامة الكبرى.. وهنا نجد القدوة قد غرقت في وحل هذا الواقع المرير.

ومما صعقني أيضا أن طلابا مراهقين يقودون سيارات مشطوبة وعندما يسألهم آباؤهم يقولون إن معلمينا يقودون المشطوبة فلم لا نفعل ذلك؟ نلوم من إذاً؟ ومن يتحمل هذه المسئولية؟ هل يلام المعلم؟ أم نطلب منه أن يدفع نصف راتبه المسحوق قسطا لسيارة ترخيص ضفة متواضعة يسلك بها الحال ويبقى مرهونا للبنك عدة سنوات؟ هذا المعلم الذي يرى فخامة السيارات التي توصل طلابه للمدرسة ويرى سيارات الملك العام تغدو وتروح مع سائقيها في خدمة طلابه بينما هو يترنح بسيارة قديمة مهكعة أو سيارة مشطوبة ما زال فيها شيء من اسمها أو سيارة نصف محترمة مرهونة للبنك مع سنوات في شظف العيش لسواد عيونها وعيون الناظرين إليها.

المعلم وحقوقه وكرامته والحفاظ على دوره المنوط به وصورة القدوة المطلوبة تدفع كل صاحب قرار أن يقف مع نفسه وقفة صادقة، لنعيد صورة المعلم المشرقة قدر المستطاع.. لنحفظ له حقوقه التي تمكنه من العيش الكريم هو وأبناؤه.. لا أحد يرحم المعلم، لا البقال ولا اللحام ولا الجامعة إن كان له ولد أو اثنان في الجامعة، فإنه يضيف مصيبة إلى مصائبه.. وفواتير الكهرباء والماء والاتصالات تترى الواحدة تلو الاخرى.. التزامات الحياة ثقيلة على حامل الهم الاكبر وهو انتاج الجيل القادر على الحياة والقادر على تحقيق الحلم الفلسطيني.

أتوجه الى وزارة المواصلات وأطالبها بإعفاء جمركي للمعلم ليتمكن من ركوب سيارة تليق بمقامه وتبعده عن اللجوء للسيارات غير القانونية أو المشطوبة، وهنا أذكر حادثة الاسير المحرر أحمد جبارة "أبو السكر" عندما أطلق سراحه بعد سبع وعشرين سنة في السجن تلكأت الجهات المختصة بإعطائه اعفاء جمركيا.. فجاء أحد الاصدقاء لأبي السكر بسيارة مشطوبة وطلب منه قيادتها لعدة أيام ثم بعث بمن يهمس بأذن الرئيس في حينها "أبو عمار" بأن أبو السكر يقود سيارة مشطوبة.. فأصدر أمرا مباشرة بالإعفاء الجمركي أو منحه سيارة لست متأكدا منها. وهنا نهمس بأذن وزارة المواصلات بأن مربي أجيالنا يقودون مضطرين سيارات مشطوبة فهل من مجيب ؟؟