هل يمكن لك أن تتصور أن تتعلم القرآن بينما أنت في دولة، والشيخ المسؤول عن تعليمك في دولة أخرى؟، هل تخيلت أن حفظ القرآن يمكن أن يتم من خلف شاشة حاسوب مع اشتراك إنترنت سريع، وهل فكرت في أنك قادر على إتقان القراءات العشر على يد أكفأ الشيوخ وأنت جالس في غرفتك، وهل تدري أن حصولك على السند المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلكترونيا؟
هذا هو ما حققته دار القرآن الكريم والسنة في قطاع غزة عندما افتتحت المقرأة الإلكترونية، التي تهدف للوصول إلى جميع الراغبين بتعلم القرآن وحفظه من كافة انحاء العالم، مع توفير الإمكانيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف، ولأجل ذلك، أطلقت الدار "المقرأة الإلكترونية"، والتحق بها، وتخرّج منها آلاف الطلبة، من دول مختلفة، مثل أندونيسيا وماليزيا وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها.
في السطور التالية، نتعرف على فكرة المقرأة، والمحتوى التعليمي الذي تقدمه، وكيفية التواصل مع الطلبة، خاصة غير الناطقين بالعربية منهم..
إصرار على النجاح
المقرئ محمود الشوبكي يعمل في المقرأة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، حيث يتواصل مع عدد من المنضمين لبرنامج التحفيظ من عدة دول إسلامية لتصحيح التلاوة لهم، خاصة أن معظمهم من غير الناطقين باللغة العربية.
قال الشوبكي لـ"فلسطين" إن البرنامج يستهدف إقراء من هم خارج دولة فلسطين عن بُعد، حيث يتم التواصل معهم عبر برنامج "سكايب"، بعد تحديد أوقات معينة خاصة بكل طالب يرغب بتعلم قراءة القرآن.
وأضاف أن أعدادًا كبيرة من الطلبة تتقدم سنوياً للتعلم عبر المقرأة الإلكترونية، حتى أنه مع نهاية عام 2017 بلغ عدد من تخرج من بعض الدورات فيها 1400 طالب وطالبة، لافتاً إلى أن هذه الأعداد الكبيرة أكبر من قدرة الدار على استيعابها وتوفير الإمكانيات اللازمة لها.
وتابع: "أول ما نبدأ به مع الطلبة هو جعلهم يتقنوا قراءة سورة الفاتحة، وهو أمر صعب للغاية خاصة في ظل عدم قدرة الطلبة غير العرب على إخراج بعض الحروف من مخارجها الصحيحة، وهو ما يجعلهم يستغرقوا نحو أربعة أشهر في حفظ سورة الفاتحة وإتقانها".
وبين الشوبكي أن معظم الطلاب لديهم رغبة قوية في تعلم القرآن وحفظة، ومن لا ينجح منهم في البداية يستمر في المحاولة حتى يتقن قراءة القرآن وحفظه بالشكل الصحيح.
قسم الطالبات
المُقرأة هناء نصار، خريجة الهندسة الصناعية، وحاصلة على دبلوم في القراءات العشر، قالت: "بدأتُ في تدريس التجويد لطالبات في حلقات تحفيظ القرآن الكريم بالمساجد التابعة لدار القرآن الكريم والسنة منذ 2013".
وأضافت لـ"فلسطين": "وبعد تخرجي من كلية الهندسة حصلت على السند المتصل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأت أدْرُس القراءات من خلال الدورات التابعة لدار القرآن الكريم والسنة، وفي نفس الوقت أُدَرِّس ما تعلمت لطالبات الحلقات".
وتابعت: "عندما أُعلن عن الإعداد للمقرأة الإلكترونية من فلسطين التي تكون سفيرة لدار القرآن والسنة في العالم كله، تم ترشيحي لأقوم بهذه المهمة في قسم الطالبات".
وذكرت أن المقرأة تقدم العديد من الدورات، ويتم التركيز على دورات التلاوة والتجويد والقراءات، وشرح متون التجويد، والسند المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم، إلى جانب الدورات المساندة، ومنها الإتقان لأعظم سورة في القرآن "الفاتحة"، وتوجيه القراءات، وشرح كتاب التبيان في آداب حملة القرآن، والنحو.
وأشارت نصار إلى أن الطالبات يلتحقن بالمقرأة من أكثر من 40 دولة من مختلف أنحاء العالم، ويشارك في المقرأة طالبات من معظم الدول العربية، ومن العديد من الدول غير العربية.
وأفادت أن عدد الطالبات اللواتي التحقن بالمقرأة يقترب من 1500 طالبة، منوهةً إلى أن 854 طالبة تخرّجن الدورات المختلفة العام الماضي.
أما عن طبيعة العمل الإلكتروني، فبينت نصار أن له متطلبات خاصة، إذ لا بد من توفر اتصال قوي بالإنترنت عند كل من الطالب والمعلم، وأن يكون الصوت على درجة عالية من الوضوح، وفي حال تقطع الصوت، يطلب الطالب من المعلم إعادة قراءة المقطع مرة أخرى، ولا بد أن يلتزم الطالب بحضور جميع جلسات الإقراء مع الالتزام بالحضور في الوقت المحدد.
وأشارت إلى أنه في نهاية الدورات يتم عقد امتحانات تقوم عليها لجنة متخصصة من دار القرآن، ويُمنح للطلبة المُجازين شهادات مصدقة ومعتمدة، وترسل الشهادات لهم إلكترونيًا.
وأكدت أن الإقبال على المقرأة كبير، بدرجة تفوق الطاقة الاستيعابية لها، إذ يعمل في قسم الطالبات بشكل رسمي مقرأتان فقط، وتسعى الدار في الفترة القادمة إلى زيادة عدد المقرآت بما يتناسب مع الإقبال الكبير من الطالبات.
وأوضحت نصار أن المقرأة تقدم المواد الإثرائية والعلوم المحققة من قبل مختصين في هذا المجال، غير استخدامها أساليب متنوعة ومتميزة، جعلتها تفوق المقارئ العالمية بشهادة الطالبات المسجلات.
تطور نوعي
رئيس قسم الإجازات والأسانيد بدار القرآن الكريم والسنة بقطاع غزة حميد أبو وردة أوضح أن دار القرآن تعد خطة استراتيجية للعام المقبل وتحرص فيها على إحداث تطور نوعي وفريد في العمل، ففي كل عام تحاول الوصول لشرائح جديدة.
وأضاف في حديث لـ"فلسطين" أن الدار بعد وصولها لمعظم البيوت في القطاع والتمركز فيه بدأت تنطلق لتعليم القرآن وتحفيظه لفئات خارج القطاع، سواء من الضفة الغربية أو من دول أخرى.
وتابع: "بدأنا بإنشاء المقرأة الإلكترونية في عام 2016، وجهّزنا طابقًا كاملًا بالمعدات والأجهزة اللازمة لتطبيق الفكرة، ثم اخترنا أكفأ المُحفظين في القطاع ليقوموا بهذا العمل، وبعد ذلك نشرنا إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فالتحق بالمقرأة في أول شهر 11 طالبًا، كان خمسة منهم من الضفة الغربية، وأربعة من دول عربية، واثنان من الولايات المتحدة، وحاليا وصل العدد إلى 1200 طالب وطالبة، من 47 دولة".
وبين أنه بعض الطلاب أنهوا خلال الفترة السابقة الدورة التمهيدية في أحكام تلاوة القرآن، ثم التأهيلية ثم العليا ثم التحقوا بدورات تأهيل السند ثم حصلوا على سند متصل إلى الرسول صلى الله عليه، ثم شرعوا في تعلم بعض قراءات القرآن، والبعض قطع شوطاً طويلاً في الحفظ وفي المتون المقررة لدى الدار.
وأوضح أبو وردة أن ماليزيا وإندونيسيا تتربعا على رأس قائمة الدول التي ينتمي لها الطلبة الملتحقين بالمقرأة، فمن هاتان الدولتان تشارك مراكز كاملة يقصدها المئات من الطلبة، ومن الدول الأوربية، العدد الأكبر من ألمانيا.
ولفت إلى أن جمعية أبي بن كعب لتحفيظ القرآن في سوريا فيها الآلاف من الطلبة الراغبين بحفظ القرآن، ولكن لم يكن فيها كوادر كافية لتعليمهم، ونظراً لذلك تم التواصل مع الدار لتدريب نحو 3500 طالب من خلال المقرأة.
وفيما يتعلق بكيفية التواصل مع الطلبة غير الناطقين بالعربية وتعليمهم، قال أبو وردة إن الدار ترجمت منهج التجويد إلى اللغة الانجليزية، ويتم الاعتماد على التلقين في الحفظ، مع الاستعانة بمحفظ ومحفظة يجيدا الانجليزية.
وأشار إلى أنه تم إنشاء بوابة إلكترونية للمقرأة، ومن خلالها يتمكن الطالب من التعرف على جميع مساقات دار القرآن الكريم والسنة والدورات التي يتم تنظيمها فيها، ويطلع على جميع الإصدارات والكتب، وتحميلها إن أراد، وكذلك يمكنه التسجيل للالتحاق بأي دورة يختارها من خلال هذه البوابة.
وقال أبو وردة: "نظراً للعدد الكبير من الطلبة، قامت الدار بتدريب وتعليم عدد من المدرسين وتأهيلهم لمدة ستة شهور بمعدل 200 ساعة، بحيث يخرج المدرس محفظًا متقن للقرآن، يبدأ بتعليم الطلبة في سوريا".
وأضاف أن "الدار تستقبل مئات الطلبات للالتحاق بالمقرأة الإلكترونية، ولكنها لا تستطيع قبولها، حيث أن قبول الطلاب يتطلب زيادة في الكوادر، وهذا يحتاج إلى إمكانيات مالية غير متوفرة نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع والتي انعكست على كافة مشاريع الدار".