فلسطين أون لاين

​كان يبحث عن لقمة عيشه

حكاية الصيَّاد إسماعيل أبو ريالة.. اغتيال في عرض "المتوسط"

...
دماء الشهيد الصياد صلاح أبو ريالة على مركب الصيد (تصوير / رمضان الأغا)
غزة - نبيل سنونو

قطاع غزة، حيث الشريط الساحلي الهادئ لولا زوارق جيش الاحتلال الإسرائيلي الحربية، يأخذ ثلاثة صيادين قسطا من الراحة داخل قاربهم ضمن المساحة المُحددة لهم بحريا لصيد الأسماك، قبل أن يوجه الجنود، ضوء "الليزر" صوب أحدهم.

"نائم داخل القارب الذي كان طوال الليل سارحا (يتحرك بالبحر بحثا عن السمك)"، هذه بداية حكاية الصياد إسماعيل أبو ريالة، الذي لم يتجاوز 18 ربيعا، يرويها لصحيفة "فلسطين" والده صالح، المكنى بـ"أبي محمد".

في عرض البحر الأبيض المتوسط -الذي يُطلق عليه كثيرون "البحر الأسود"، و"الأحمر" أيضًا لما يشهده من جرائم إسرائيلية- مرّ في مقابلهم "طرّاد" تابع لجيش الاحتلال، لم يوجه لهم أي كلمات، قبل أن يغادر، ثم يعود مصطحبا "طراديْن" آخرين، إلى المكان ذاته.

بجوار قارب "أبو ريالة" الذي كان على متنه إسماعيل، وزميلاه، محمود عادل أبو ريالة

وعاهد حسن أبو علي، تواجدت قوارب أخرى لصيادين غزيين.

يبدو أن التعب سيطر على إسماعيل ورفاقه، حتى ذهبوا جميعا في النوم، بعد رحلة من البحث عن الأسماك، على بُعد نحو ثلاثة أميال ونصف فقط عن شاطئ بحر مدينة غزة.

يمارس إسماعيل مهنة الصيد منذ سبعة أعوام، وهي ذات المهنة التي يعمل بها والده منذ نحو 35 عاما، لا ينغص عليهما سوى ممارسات جيش الاحتلال الذي يشدد حصاره لقطاع غزة برا، وبحرا، وجوا.

ومما ينص عليه اتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) سنة 1993، وما تبعها من بروتوكولات اقتصادية، حق صيادي الأسماك الغزيين بالإبحار لمسافة 20 ميلا بهدف الصيد، لكن ذلك بقي حبرا على ورق، إذ تمنع قوات الاحتلال الصيادين من الإبحار سوى لبضع أميال، كما أنها تستهدفهم فيها.

جريمة متعمدة

بغتةً، فتحت الطرادات الاحتلالية النار صوب القارب، انهمرت عليه انهمارا كما المطر، "من الباب للطاق"، في إشارة من والد إسماعيل، بأن ابنه ورفاقه لم يرتكبا أي ذنب.

اخترقت طلقة نارية رأس إسماعيل، فارتقى شهيدا، فيما أصيب رفيقاه بالمطاط، واقتادتهم قوات الاحتلال إلى أحد موانئ فلسطين المحتلة سنة 1948.

أفرجت هذه القوات عن الصيادين المصابين، بينما احتجزت جثمان الشهيد، الذي ينقل والده عن زميل له، أن الرصاصة أدت إلى فتح رأس الشهيد، وتناثر أجزاء منه.

يقول "أبو محمد"، عن نوع السلاح المستخدم في قتل ابنه: "ماذا تتوقع عندما ترى مخه نازلا على الأرض؟ أحد الشابين الذين كانا معه قال مخه أرجعته بيدي ووضعت يدي على رأسه".

(إسرائيل) كانت متعمدة للقضاء على الشاب "أبو ريالة"، هذا ما يجزم به والد الشهيد، وكل الصيادين في قطاع غزة، الذين لطالما تعرضوا للاستهداف من قبل جيش الاحتلال الذي يغتصب بحر القطاع.

عن هذه الحادثة، يقول نقيب الصيادين نزار عياش لصحيفة "فلسطين": "كان الشبان متواجدين على متن مركبهم، المتواجد هناك منذ خمسة أيام، برفقة مراكب أخرى، وبعد العصر، اقتربت ثلاثة زوارق إسرائيلية منه، وتم إطلاق النار عليه بكثافة".

يضيف عياش، وفقا لرواية الصياديْن، أن "الليزر" كان موجها إلى رأس إسماعيل، وتم إطلاق النار عليه، بينما أُجبرا على النزول للبحر، قبل أن يتم اقتيادهم جميعا لميناء أسدود.

استغرقت مدة احتجاز الشابين المصابين بالرصاص المطاطي ست ساعات، بحسب عياش.

وبعد عملية استهداف هذا القارب، توجه قارب آخر إلى نفس المكان حيث اصطحبه إلى شاطئ بحر غزة، وبدت عليه بقعة من الدم، كما بدا مخترقا بفعل الرصاص الذي أطلقته قوات الاحتلال.

ويؤكد عياش أن القارب كان في مكانه المعهود للصيد، ولم يرتكب أي مخالفة.

بعد انتهاء صلاة العشاء، أول من أمس، ورد خبر الاستشهاد لـ"أبي محمد"، الذي يوجه كلماته في رده على جريمة الاحتلال الإسرائيلي، قائلا: "حسبنا الله ونعم الوكيل".

يقول الصياد أحمد الزهار (57 عاما)، الذي قضى نحو ثلاثة عقود من عمره في مهنة الصيد، إن حكومة الاحتلال وجيشها "عصابة"، مشيرا بذلك إلى استمرار ارتكاب الجرائم بحق الصيادين الفلسطينيين العزل.

يتساءل الزهار- وهو مصاب من جيش الاحتلال في انتفاضة عام 1987- في حديث مع صحيفة "فلسطين": "صيّاد نائم لماذا يقتلونه؟ مواطن يمشي في السوق لماذا يقتلونه؟".

وينوه إلى أن هذا الشهيد ليس الأول من الصيادين، كما من المؤكد أنه لن يكون الأخير.

وينفي هذا الصياد، مزاعم الاحتلال الإسرائيلي المتكررة لتبرير استهداف الصيادين الفلسطينيين، مؤكدا أن قوات الاحتلال تمارس الكذب، وتتخذ من القتل هِواية.

في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، حيث يقع منزل الشهيد إسماعيل، يستقبل والده المواطنين لمواساته في مُصابه، وهو لا يزال يذكر فلذة كبده الذي لم يكن يرمي لشيء، إلا للحصول على لقمة العيش في ظل الحصار الخانق المفروض على القطاع.

"كان يُودِّع إخوته ويقول لهم: صوروني (التقطوا لي الصور)، ولأخواته يقول: تعاليْنَ.. أشتاق لكن"؛ كأنما كان هذا الشاب يعرف أنه مُعرض للاستشهاد، فشيمة جيش الاحتلال الغدر.