أصبحنا على جريمة جديدة أعلنت عنها سلطات الاحتلال الإسرائيلية باستشهاد الأسير ياسين عمر السراديح (33 عاماً)، من أريحا، بعد اعتقاله فجر الخميس، وترجع عائلته السبب إلى تعرّضه للضّرب خلال عملية اعتقال جنود الاحتلال له من منزله، وأنّه لم يكن يعاني من أية أمراض.
الشهيد السراديح لم يكن هو الشهيد الأول ولا الشهيد الأخير في إحصائيات شهداء التعذيب في السجون الإسرائيلية، فقد سبقه قائمة طويلة من الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال نتيجة للتعذيب القاسي والمميت، والتقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية خير شاهد.
فمنذ عام 1987 شرعت سلطات التعذيب، فيما صادق "الكنيست" الإسرائيلي على التوصيات الواردة في تقرير "لجنة لنداو" العنصرية، وابتداء من عام 1996 أصدرت محكمة العدل العليا واللجنة الوزارية التابعة لشؤون المخابرات مجموعة قرارات تعطي فيها الضوء الأخضر لجهازي "الشين بيت" و"الشاباك" باستخدام التعذيب، وهناك أكثر من 77 أسلوب تعذيب يمارس ضد المعتقلين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ونادراً ألا يتعرض من يعتقل لأحد أشكال التعذيب مع الملاحظة أن عدداً كبيراً من الأسرى يتعرضون لأكثر من نوع من أنواع التعذيب في آن واحد، حيث إن (99%) من المعتقلين تعرضوا للضرب، فيما (92%) منهم تعرضوا للوقوف لمدة طويلة، و(89%) تعرضوا للشبح، فيما (68%) وضعوا في الثلاجة، بالإضافة لأساليب التعذيب الأخرى ومنها أسلوب الهز العنيف، والشبح المتواصل بأشكال مختلفة، وإسماع الموسيقى الصاخبة، والحرمان من النوم، وغرف العملاء، والضرب المؤلم، والتعذيب باستخدام الماء البارد، والتعذيب النفسي، والعزل، والوقوف فترات طويلة، والحشر داخل ثلاجة، والضرب والصفع على المعدة، وتكبيل اليدين والقدمين سوية على شكل موزة، والحرمان من الطعام، والحرمان من النوم … الخ.
وليس كل من تعرض للتعذيب نجا من الموت ليحدثنا عما تعرض له، لكن هناك الكثير مِمَن نَجوا تحدثوا وبمرارة عما تعرضوا له، وهناك من لا يزالون متأثرين من ذلك رغم مرور سنوات طوال على تحررهم ولا يتسع المجال هنا للحديث عن تلك التجارب والمعاناة، فكثيرة هي الأدلة والأمثلة التي من الممكن أن نسوقها ونذكرها والتي تثبت تورط الاحتلال الإسرائيلي وجهاز مخابراته باستخدام أبشع أنواع وصور التعذيب.
إن استشهاد الأسير السراديح هو مؤشر خطير على حياة باقي الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون ومعتقلات الاحتلال، وقد فاجأنا استشهاده قبل دخوله المعتقل أو حتى سماع أقواله، وكنا نعتقد أن حياة الأسرى المضربين عن الطعام هي التي في خطر دائم، ومتوقع استشهادهم في أي لحظة، نظراً لسوء حالتهم الصحية بسبب إضرابهم المفتوح عن الطعام احتجاجًا على سياسة القمع التي تنتهجها مصلحة السجون ومعاملتها السيئة للأسرى.
وعلى صعيد المعايير الدولية التي يحظر بموجبها التعذيب، هنالك العديد من النصوص الصريحة والواضحة بهذا الشأن والتي جاءت على شكل إعلانات أو قرارات أو اتفاقيات، فأول هذه الإعلانات هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصت المادة الخامسة منه صراحة على أنه: "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة".
إن إقدام سلطات الاحتلال على هذه الجريمة النكراء بقتل الأسير السراديح ماهي إلا لإحباط معنويات الأسرى المضربين عن الطعام، وكسر إرادتهم الوطنية كي تجعل منه عبرة لهم ولذويهم كي يفكوا إضرابهم، لكنه لم ينل شيئاً من عزيمة وصمود الأسرى، وعلى السلطة أن "لا تمشي على استحياء" ولا تنجر وراء أكاذيب وألاعيب الاحتلال ومساوماته الباخسة