هناك فرق بين معرفة الحقائق و بين إدراكها، فالمعرفة قد تقف عند حدود الاطلاع، أما الإدراك فيعني ترجمة هذه المعرفة إلى عوامل تؤثر في صنع القرار و تؤدي إلى الأفعال.
ولا يمكن فهم الوضع الفلسطيني الحالي وبالتالي صياغة استراتيجية سليمة للتعامل معه دون الإقرار بحقائق أصبحت دامغة في وضوحها، ولا يمكن التقدم للأمام في الدفاع عن مصالح الشعب الفلسطيني دون فهمها، والإقرار بوجودها، ومن ثم إدراك مغزاها وهي:
أولا: إن فكرة ومشروع الحل الوسط بيننا وبين الحركة الصهيونية قد فشل، لأن (إسرائيل) لم، ولن تريده. وكل ما أرادته الحركة الصهيونية من اتفاق أوسلو كان تحييد تأثير الانتفاضة الشعبية الأولى والنضال الفلسطيني، وكسب الوقت لاستكمال عملية الضم والتهويد للضفة الغربية، بالإضافة إلى إحداث انقسام عميق في الساحة الفلسطينية.
وبالنسبة للحركة الصهيونية فإن الهدف المبطن سابقاً والمعلن الآن كان وما زال الاستيلاء على كل فلسطين.
ثانياً: إن اتفاق أوسلو فشل وأن المراهنة على حل وسط مع (إسرائيل) قد فشلت، كما أن المراهنة على دور الولايات المتحدة كوسيط في عملية (السلام)، التي بدأت بتوقيع اتفاق أوسلو انتهت جميعها إلى الفشل الكامل، وقد آن الأوان للتخلي إستراتيجياً عن النهج الذي فشل، وعدم الاكتفاء بخطوات تكتيكية أو ردود أفعال محدودة.
ثالثاً: نحن كفلسطينيين لسنا في مرحلة حل للصراع مع الحركة الصهيونية و(إسرائيل)، بل في مرحلة نضال وكفاح، من أجل أهداف شعبنا في الحرية والعودة، وتحرير وطننا من الاحتلال والاضطهاد العنصري.
رابعاً : إن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وما سمي بحل الدولتين، يتآكل كل يوم مع وقع الاستيطان الإسرائيلي وقرارات إدارة ترامب الأمريكية والتقاعس العربي عن التصدي لـ(إسرائيل).
خامساً: إن مخطط (إسرائيل) الموجه نحو ابتلاع وتهويد الضفة الغربية قائم على الفصل الكامل بين الضفة والقطاع وتشجيع الانقسام لإضعاف تأثير العامل الديموغرافي في الصراع الدائر.
سادساً: إن التنازل التاريخي الذي قبلته منظمة التحرير عن حق الفلسطينيين في 78% من أرض فلسطين من خلال ما سمي بحل الدولتين، يجب إلغاءه رداً على تنكر الطرف الآخر لمبدأ الحل الوسط.
سابعاً: إن أهدافنا لن تتحقق إلا بتغيير ميزان القوى، ولذلك فإننا بحاجة إلى تبني إستراتيجية وطنية بديلة للنهج الذي فشل، تركز على تغيير ميزان القوى، بالمقاومة الشعبية الشاملة، وحركة المقاطعة (BDS) وتعزيز الصمود الفلسطيني المقاوم على الأرض، وتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء التكامل بين أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والأراضي المحتلة والخارج، مع المحافظة على التأييد الدولي الذي حققه الشعب الفلسطيني والعمل على توسيعه.
ثامنا : يجب أن تُحمل الحركة الصهيونية و(إسرائيل) ومن يدعمها المسؤولية الكاملة تاريخياً عن إفشال ما يسمى "بحل الدولتين" الذي تقوم بتدميره بالكامل.
تاسعاً : إن (إسرائيل) فرضت وتفرض كل يوم بديلها لحل الدولتين بتعزيز الاحتلال بمنظومة الأبارتهايد العنصرية، وأن البديل الوحيد لقيام دولة فلسطينية مستقلة وما يسمى بحل الدولتين ليس الأمر الواقع القائم وهو دولة الأبارتهايد الواحدة التي تكرسها (إسرائيل) ويروج لها جزء من الإعلام الغربي، بل الدولة الواحدة الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، والتي لن تكون ولا يمكن ان تكون يهودية. وان التساوي في الحقوق لا يعني فقط التساوي في الحقوق المدنية فحسب، بل والمساواة في الحقوق القومية، وبما يضمن كامل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بكل مكوناته.
عاشراً: إن الشعب الفلسطيني يقف اليوم أمام مهمة أكبر بكثير من مجرد إنقاذ حل الدولتين أو مواصلة المراهنة على حسن نوايا الآخرين المنشغلين بهمومهم ومصالحهم. فما فعلته الحركة الصهيونية بوطننا ولشعبنا من تطهير عرقي وتهجير، واحتلال وتمييز عنصري، وما تفعله اليوم يفرض على الشعب الفلسطيني أن يتصدى لمهمة أكبر وهي تحرير وطنه وإسقاط نظام الأبارتهايد والاستعباد العنصري بكامله، وأن يرسل رسالة للعالم، بأن إقدام (إسرائيل) عل قتل فكرة الدولة المستقلة، لا يترك لنا إلا خيار النضال والكفاح من أجل إسقاط نظام الأبارتهايد العنصري الإسرائيلي في كل فلسطين.
وشعبنا قادر على ذلك، إن قدمنا له رؤية واضحة وقيادة موحدة واستعداد للتضحية وتقدم الصفوف، وإستراتيجية وطنية بديلة لما فشل.
وأول ركائز نجاحنا هي إعطاء الأولوية الأولى لبقاء وصمود الشعب الفلسطيني بكل مكوناته على أرض فلسطين، بحيث يكون صموده صموداً مقاوماً وفاعلاً، وأن يتم تعزيزه بترسيخ الوحدة بين الضفة والقطاع وإزالة كل أوجه الانقسام الداخلي.