تناقلت الأخبار أن الأطراف الثلاثة ذات العلاقة، الأمم المتحدة من خلال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الاوسط السيد نكولاي ميلادونوف و الحكومة الفلسطينية برئاسة د. رامي الحمد الله والجيش الاسرائيلي من خلال منسق أعماله في المناطق السيد بولي مردخاي قد اتفقوا على إجراء مراجعة لآلية الامم المتحدة لإعمار قطاع غزة GRM, و المعمول بها من سبتمبر 2014 . بعد ثلاث سنوات، أدركت الاطراف ذات العلاقة أن هذه الآلية بحاجة لمراجعة و هو ما يثبت صحة و سلامة موقف الكثير من المراقبين المحليين و الدوليين الرافض لهذه الآلية.
بعيد انتهاء حرب 2014 و قبيل عقد مؤتمر المانحين لإعمار قطاع غزة في 12 أكتوبر 2014 . طرحت الامم المتحدة من خلال ممثل الامين العام لعملية السلام في الشرق الاوسط السابق السيد روبرت سيري نفسها بديلا عن السلطة الفلسطينية و نيابة عن الاحتلال الاسرائيلي للقيام بدور الوسيط في إدخال المواد الخام اللازمة لإعادة الاعمار و الرقابة عليها و التقرير من يستحق و من لا يستحق من المدمرة بيوتهم . مما حرم السلطة الفلسطينية من شرف خدمة شعبها و أضاف طبقة جديدة للحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات. وقد عبر المجتمع الفلسطيني من باحثين و قطاع خاص و منظمات مجتمع مدني في عشرات المناسبات عن رفضهم الشديد لهذه الآلية مطالبين الحكومة الفلسطينية بعدم قبولها. تحججت الامم المتحدة في حينه بأن عملية المصالحة الفلسطينية لم تتحقق بعد و أن حكومة الوفاق ، التي شكلت قبيل حرب 2014 ببضعة أسابيع لم تأخذ صلاحيتها بعد. وفي تبريره لخلق آلية إعادة إعمار غزة، تحدث السيد روبرت سيري أن هذه الآلية هي وسيلة للتنسيق بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لتعجيل عملية إعادة الإعمار مضيفا أن هذه الآلية لن تعالج المخاوف الأمنية الإسرائيلية فحسب، بل ستعزز أيضاً ثقة الجهات المانحة، مما سيؤمّن التمويل اللازم لعملية إعادة الإعمار.
تداعيات تطبيق آلية الامم المتحدة:
بموجب هذه الآلية تحولت الامم المتحدة إلى شركة مقاولات و حراسة و استبدلت الحصار الاسرائيلي بحصار أممي . أشرف على تصميم و تنفيذ هذه الآلية ” مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع “UNOPS” . الامم المتحدة التي يفترض بها أن تعمل على تحقيق السلام و إحقاق العدل و رفع الظلم تحولت منذ عقود إلى أداة لتعميق الظلم و تنظيمه و الاشراف عليه. هذه الآلية بطيئة جدا و مكلفة جدا حيث يعمل عليها عشرات الخبراء الدوليين الذي يتقاضون مكافآت خيالية و برامج محوسبة كلفت مبالغ طائلة لمراقبة كيس الاسمنت الذي يدخل إلى قطاع غزة و ضمان عدم استغلاله في أغراض أخرى . من الجدير ذكره أن آلاف الاطنان من مواد البناء دخلت من معبر رفح بشكل علني و رسمي مما جعل من هذه الآلية غير ذات معنى . تناولت العديد من التقارير الدولية و المحلية عن وجود شبهات قوية بالفساد في تطبيق هذه الالية. كذلك شاب علاقة الموظفين الاجانب مع ضحايا الحرب من المدمرة بيوتهم و الموردين الفلسطينيين التعالي و الغرور و الكثير من التشكيك و الغبن في تطبيقها، مما دفع الموردين المحليين إلى تنظيم العديد من مسيرات و المظاهرات للاحتجاج ضد الامم المتحدة صاحبة هذه الآلية و مطالبين بإلغائها. كنت قد حذرت في العديد من المناسبات و قبيل البدء في تطبيقها من الموافقة على هذه الآلية. وقد تحدثت بنفسي للسيد الرئيس محمود عباس في الاجتماع الذي ضم عددا من رجال الاعمال من غزة في مقر الرئاسة في 17 من سبتمبر 2014 عن خطورة القبول بها. بل دفع التذمر و عدم الرضا من آلية الامم المتحدة بعض الدول و مؤسسات دولية أممية إلى رفض العمل من خلالها حيث فضلت الاشراف المباشر على برامجها في إعمار قطاع غزة . كذلك عبرت بعض المؤسسات الاممية التي تتبع الامم المتحدة عن عدم رضاها عن هذه الآلية نتيجة التأخير الملحوظ في جداول تنفيذ مشروعاتها. آلية الامم المتحدة لإعمار غزة توسعت لتشمل طلبات البناء الجديدة ، فلم تعد محصورة على برامج إعادة إعمار ما دمرته الحروب فقط .
ما هي UNOPS؟
من المهم هنا معرفة أن الامم المتحدة قد أسست ذراعا تجاريا عام 1973 يطلق عليه مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع UNOPS. يضطلع مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، نيابة عنها على توفير خدمات إدارة المشاريع، والمشتريات والبنية التحتية و ذلك في عشرات الدول حول العالم في أفريقيا و أمريكا اللاتينية و آسيا . الامم المتحدة من خلال مكتبها لخدمات المشاريع يستبدل الحكومات الوطنية و يحرمها من خدمة شعبها و يصادر حقها في التعلم و بناء قدراتها. الامم المتحدة تستفيد من النزاعات و عمليات إعادة الاعمار التي تتم بعد انتهاء الصراع . بعيد سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي في 20 أكتوبر 2011 ، أعلن الامين العام للأمم المتحدة في حينه السيد ” بان كي مون” أن منظمته سترسل 200 خبير أممي إلى ليبيا لتقدير الاضرار و المساهمة في إعادة الاعمار. السيد بان كي مون الذي لم يفعل شيئا هو أو منظمته لوقف الحرب و الدمار في ليبيا سارع لإرسال طواقمه الدوليين كي يضمن الحصول على حصة من كعكة إعادة الاعمار و ضمان بعض الوظائف مرتفعة الاجر . الجميع يخسر في ليبيا ما عدا منظمات الامم المتحدة و الشركات النفطية الشركات الامنية العابرة للقارات و النزاعات. و الحال سيتكرر في سوريا و اليمن عندما تضع الحرب أوزارها.
يجب توطين عملية إعادة الاعمار:
ولأنها آلية فاشلة و مكلفة و غير وطنية ، بل هي أحد مسببات المعاناة و الركود الاقتصادي الكبير في قطاع غزة ، فالمطلوب وقف العمل بها كليا و ليس مراجعتها فقط . مع توقيع اتفاق المصالحة الاخير و بدء حكومة الوفاق ممارسة أعمالها في قطاع غزة و خاصة على المعابر ، تنتفي الحاجة لآلية الامم المتحدة . إعادة الاعمار عملية وطنية بامتياز وعلى المؤسسات الوطنية الرسمية والاهلية تولي العملية بكامل تفاصيلها . إعادة الاعمار فرصة لترميم الهياكل السياسية و الاقتصادية و الاكاديمية في جناحي الوطن التي تضررت كثيرا بسبب الانقسام.