منذ الحرب على غزة عام 2014، يحاول الاحتلال أن يفرض قواعد للمواجهة على حدود غزة، من خلال العديد من الإجراءات التي يرام منها تدجين الجمهور الفلسطيني للقبول بها, وبالتالي إخضاع المقاومة لهذه القواعد، التي تعود على أن يفرضها في مواجهاته وحروبه مع الأنظمة العربية، ويتناسى اختلال الطرف المقابل له، والأجيال الصاعدة من أفواج المقاومين.
الحديث هنا ينطلق مما حدث قبل يومين على حدود غزة, وتفجير العبوة في دورية متوغلة للاحتلال شرق خانيونس، أدت لإصابات بليغة في جنود الاحتلال، مما رفع مستوى التوتر في محيط غزة، وسيل من التهديدات الإسرائيلية ضد غزة وضد المقاومة، لتبدو فيها حكومة الاحتلال وجيشها كالثور الهائج، وهو ما بين ردة الفعل المفتعلة وبين حالة الاضطراب التي عاشها المحتل نتيجة المس المباشر بنظريته الأمنية التي حاول إرساءها منذ عام 2014.
العملية جاءت لتوجه ضربة لمعادلة الاحتلال خلال السنوات الماضية، ولحق بها بيان القسام الأكثر وضوحًا بالتصدي لطائرات الاحتلال بالمضادات الأرضية، وإن كانت رمزية, لكن في إطار الجهد المقاوم الذي يقلق الاحتلال لاحقًا وفي سياق ترابط الجبهات، كما حدث في الشمال قبل أيام.
معادلة القصف المريح التي أرادها الاحتلال لم تعد موجودة, وكذلك التوغل الآمن لم يعد متوفرًا, وقد نشهد شكلا آخر من الأحداث التي تغير قواعد اللعبة, وتبقي الساحة ساخنة على غرار الشمال بعد إسقاط الطائرة الجهنمية F16 .
تآكل التهدئة التي فرضها الاحتلال وإيقاع الخسائر دون ثمن، قد تكون انتهت في حدود غزة، ومن الواضح أنها قد تقود نحو مواجهة ما بين التصعيد الكبير, ولا ترتقي لحرب وهو ما لا ترغب به (إسرائيل)، ولا تريده المقاومة، لكن بكل الأحوال, البيئة جاهزة لأي مستوى من المواجهة.
الاحتلال الذي يقود تسخين الجبهات دون إدراك قواعد المواجهة، قد تتسبب سياسته في الخروج عن التقديرات والتحليلات في هذا الشأن, في حال إقدامه على اعتداءات كبيرة أو تنفيذ اغتيالات ميدانية، أو توغلات على حدود غزة.
لم يعد الفلسطيني مُسلمًا بمعادلة الاحتلال، ولم تعد المقاومة صامته تجاه ذلك، بل قد تنتقل إلى الفعل الذي يرسي قواعد جديدة للمواجهة تكون فيها يد المقاومة هي الضاربة وتؤلم الاحتلال وتدفعه ثمن غطرسته وتغوله.