في ظل مساعٍ أمريكية إسرائيلية معلنة لإنهاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بفترة زمنية محددة، يؤكد مراقبون تقليص الأخيرة خدماتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيرين إلى أن العجز المالي الذي تعاني منه الوكالة يحمل بصمات سياسية.
وقررت الولايات المتحدة في 16 يناير/كانون الثاني 2018، تخفيض مساعداتها لـ"أونروا" إلى النصف، من 125 مليون دولار إلى 65 مليون دولار من الموازنة العامة لعام 2018، وذلك في ظل عجز مالي بلغ نحو 49 مليون دولار، خرجت به الوكالة من عام 2017. وقال مسؤول أميركي إن الوكالة بحاجة إلى إعادة تقييم جذري "للطريقة التي تعمل بها وتُمول بها".
ويصف أمين سر المكتب التنفيذي للاجئين في الضفة الغربية طه البس، أوضاع اللاجئين في مخيمات الضفة بأنها "من سيئ إلى أسوأ، خاصة أن هناك تفاقمًا غير عادي بالبطالة وزيادة في عدد العائلات التي تعاني من الوقوع على خط الفقر".
ويقول البس لصحيفة "فلسطين": "بالتأكيد هناك جزء كبير من الأهالي في مخيمات اللاجئين يعتمد بالدرجة الأولى على ما تقدمه وكالة الغوث من خدمات تشمل كل الجوانب الصحية والتعليمية والاجتماعية والتشغيل، بالتالي انخفاض مستوى المساعدات التي تقدمها "أونروا" سيؤثر اقتصاديًا على هذه العائلات".
ويؤكد وجود تقليصات على خدمات "أونروا" لا سيما بعد القرار الأمريكي، قائلا إن وكالة الغوث أبلغت رؤساء برامجها بوقف برنامج البطاقة الغذائية وبرنامج التشغيل.
ويتابع: "كذلك هناك تخفيض في الخدمة الصحية داخل عيادات الوكالة ونقص في الأدوية"، مبينا أن نوعية الأدوية "سيئة جدا".
ويشير البس إلى تخفيض في التحويلات الممنوحة للاجئين، ورفع لمساهمة المرضى من 25% إلى 50%، عدا عن إلغاء عمليات الأنف والأذن والحنجرة، ووجود نية لإغلاق مستشفى قلقيلية وهو الوحيد لوكالة الغوث في الضفة.
ويوضح أن "أونروا" تعاني من أزمة مالية منذ سنوات عديدة، لكنه يشير إلى أن تخفيض واشنطن مساعداتها للوكالة يأتي في سياق السعي لإلغاء الأخيرة.
وتأسست "أونروا" كوكالة تابعة للأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1949.
ويتم تمويل الوكالة بشكل كامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتعد الولايات المتحدة الأميركية الداعم الأكبر لها، ثم الاتحاد الأوروبي.
وينبه البس، إلى أن وجود "أونروا" مرتبط بالالتزام الدولي بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ويقول، إن المحاولات الأمريكية الإسرائيلية لإنهاء الأونروا "قديمة جديدة"، مضيفا: "التراجع في مستوى الخدمات سببه الأزمة المالية، وهذه الأزمة مفتعلة وسببها الولايات المتحدة".
ويلفت إلى أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على بعض الدول المانحة التي تقدم مساعدات للاجئين الفلسطينيين، مؤكدا أن هذه الضغوط "سياسية بالدرجة الأولى".
ووفقا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لأعداد اللاجئين في بداية 2017، بلغ عدد اللاجئين في الضفة الغربية نحو 772 ألفًا، بينما بلغ في قطاع غزة نحو مليون و275 ألفًا.
ويُبين البس، أن فعاليات قريبة سيتم تنظيمها بشأن تقليصات أونروا، وأيضًا في ظل "إهمال واضح من جانب مؤسسات السلطة الفلسطينية تجاه مخيمات اللاجئين"، قائلا: "المفترض أن يكون هناك التزام أدبي وأخلاقي تجاه بعض المساعدات التي كانت تُقدم للمخيمات وخاصة أن بعضها مرتبط بمشاريع البنية التحتية والآخر بميزانيات اللجان الشعبية التي كانت تُقدّم".
ويضيف: "جزء كبير من هذه المشاريع والمستحقات أوقف منذ 10 شهور بالرغم من الوعود التي حصلنا عليها من مجلس الوزراء ورئيس السلطة، فإنه لم يتم تنفيذها وبقيت حبرا على ورق".
"ابتزاز"
من ناحيته، يؤكد الباحث في شؤون اللاجئين الفلسطينيين حسام أحمد، أن الإدارة الأمريكية توظف مساهماتها في تمويل "أونروا" لابتزاز السلطة ومنظمة التحرير سياسيا "من أجل تحسين الوضع التفاوضي لصالح (إسرائيل)".
لكن أحمد يقول لصحيفة "فلسطين"، إن الإدارة الأمريكية و(إسرائيل) لا تستطيعان إلغاء خدمات أونروا، لأنها أنشئت بقرار دولي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة لحين حل قضية اللاجئين بعودتهم إلى ديارهم في فلسطين المحتلة.
ويتمم بأن تقليصات أونروا مستمرة منذ توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال الإسرائيلي سنة 1993، مشيرا في الوقت نفسه إلى ضغوط تمارسها الأخيرة والولايات المتحدة للتأثير على الدول الممولة لأونروا.
ويشار إلى أن "أونروا" أنهت في 15 يناير/كانون الثاني 2018، خدمات أكثر من 100 موظف من العاملين لديها بالأردن بسبب التقشف، ضمن أول إجراءات ضبط النفقات والخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين، وذلك بسبب العجز المالي الذي تكبدته الوكالة، وقدر بنحو 174 مليون دولار. وطال هذا القرار مجمل المخيمات الـ 13 الموزعة على أنحاء متفرقة من الأردن.
وأطلقت أونروا في الأول من سبتمبر/أيلول 2017 نداء دوليا قالت فيه إنها بحاجة لمبلغ 411 مليون دولار للعام المذكور، لتأمين المتطلبات الإنسانية لمن بقي من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وللذين فروا منهم إلى لبنان والأردن.