بات الشعب الفلسطيني يدرك، ومنذ زمن وحتى قبل انسداد الأفق السياسي، أنه لا حل مع الاحتلال إلا من خلال المواجهة بكل الطرق، سواء أكانت شعبية أو سلمية أو مسلحة.
وهذه طبيعية كل شعب حر يعيش تحت الاحتلال، لا يجب أن يبقى صامتاً على جرائمه، حيث بات الجميع يدرك أن الانتهاكات التي ينفذها الاحتلال من استيطان وتهويد وحصار وحواجز واقتحامات واعتقالات وقمع وتشريد، ما يحول الساحة في الضفة الغربية إلى مكان لا يقل خطورة عن قطاع غزة المحاصر، والذي يوشك على الانفجار في وجه العدو.
فيما يعكف قادة المقاومة حاليا على تحديد شكل هذا الانفجار، فإما أن يأخذ شكل الانفجار الشعبي، ليجتاح الحدود ويدهس السدود باتجاه الأراضي المحتلة 48، أو أن تأخذ المواجهة الشكل العسكري المعهود، ولكن بطرق وتكتيكات لم يعهدها الاحتلال من قبل، مثل نقل أغلب فصول المعركة إلى الداخل الصهيوني، وفي قلب معسكراته وتحصيناته.
الضفة الغربية مقبلة على تصعيد وانفجار، وهذا ليس تحليلا أو توقعا، بل واقع بدأت بوادره محسوسة ملموسة، الأمر الذي سينعكس لا محالة على قطاع غزة، لأنهما تعيشان واقعا متشابها وخياراتهما تكملان بعضها، الأمر الذي يفرض على السلطة الخروج من ثوب الوسيط الأمني للعدو، فهذا دور لا يستطيع الشعب الفلسطيني أن يتجرعه على الدوام، وإن استمر منذ أوسلو.
الأصل في العلاقة بين شعب يتوق إلى الحرية والاحتلال هو الاشتباك والمقاومة المستمرة لقمعه ومخططات تفريغ الأرض وتهجير الشعب، وتبعا لذلك فالمقاومة مستمرة منذ الثورات الفلسطينية المشهودة في التاريخ إبان عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، لكنها تخبو وتتراجع أحيانا وتثور كالبركان أحيانا أخرى، ويبدو أننا الآن في مرحلة الثوران والبركان.
ولكن علينا، نحن الفلسطينيين الذين تجرعنا مرارة خذلان هذه المقاومة أكثر من مرة من البعيد والقريب، علينا أن لا نجعل ما يحدث في الضفة الغربية مجرد موجة انتفاضة رافضة قرارات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتعلقة بالقدس، أو لسلسة الإجراءات التي اتخذها.
وكي لا يأخذ التحرك الفلسطيني الطابع الانفعالي العبثي بلا خطط أو أهداف واضحة ومحددة، يجب أن نعمل على أن يكون هذا التحرك واسعا وعريضا، بحجم النطاق الجغرافي لشعبنا الفلسطيني واتساعه، وأن يكون مؤطرًا ومؤسسًا عبر قيادة وطنية موحدة تستطيع أن تقوده وتحركه تطبيقا للثوابت والقرارات التي أجمعت عليها قوى شعبنا في أكثر من وثيقة واتفاق.
قيادة موحدة تقنع المجتمع الدولي على وضع ردود الفعل الفلسطينية على ممارسات العدو وجرائمه في إطارها الطبيعي حيال عدو يزداد غطرسة وإجراما، سواء تجاه محاولات السيطرة على المسجد الأقصى، أو الهجمة المحمومة لتهويد الأرض، أو التوسع الاستيطاني الكبير، خصوصا بعد الضوء الأخضر الأميركي، بإعلانها أن الاستيطان ليس عقبة في طريق السلام، الأمر الذي يبدد أي آفاق لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وينهي مسيرة الوهم التي قادها الرئيس محمود عباس وفريقه منذ "أوسلو".
في هذا السياق يمكن وضع وفهم دعوة حركة حماس وغيرها من الفصائل لتصعيد الانتفاضة، وخصوصا الشعبية، لأن موقع الضفة الغربية في المعركة المقبلة هي المبتدأ والمنتهى، فقطاع غزة لم يعد يحتمل حروبا جديدة بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بسبب الحصار المخطط والممنهج لإيصاله إلى نقطة الانهيار والهزيمة ورفع الراية البيضاء من دون إطلاق أي رصاصة، خصوصا بعد قرار ترامب إخراج ملفي القدس واللاجئين، عبر إنهاء عمل وكالة أونروا من دائرة المفاوضات.
ومما يشجع على الدعوة إلى قيادة وطنية موحدة، ويبعث الأمل في إمكانية تحقيقها، هو الموقف الرسمي والفصائلي والشعبي الفلسطيني المجمع على رفض هذه التسوية المذلة، فالإدارة الأميركية تريد منا الإقرار بالهزيمة والتوقيع على قرار الاستسلام.
والشعب الفلسطيني، بسلطته وكل فصائل المقاومة فيه، تجمع على أن الشعب الفلسطيني سيواصل المقاومة والدفاع عن شعبه وأرضه، كل بطريقته.