في التاسع عشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وجهت الفتاة الفلسطينية الجميلة، عهد التميمي (16 عاما)، صفعة لضابط في جيش الاستعمار الإسرائيلي اقتحم ساحة بيتها في قرية «النبي صالح» غرب مدينة رام الله. دوّت صفعة الثائرة المناضلة، عهد، في شتى اصقاع الارض. أربكت الصفعة (اسرائيل). وشبّه الشاعر اليهودي الاسرائيلي الليبرالي، يهونتان غيفن، صفعتها بـ«صفعة داود لجوليات»، وبأنها «اختزلت خمسين سنة من الاحتلال»، وبأن اسم الفتاة الفلسطينية «عهد»، سوف «يدرج في قائمة اسماء مناضلات عظيمات في التاريخ: جان دارك، حنة سانش وآن فرانك»، [ثم اضطر هذا الشاعر إلى الاعتذار عن «نشر» قصيدته، وذلك إثر حملة رسمية وشعبية اسرائيلية فاجرة عليه، فجّرَها وقادها افيغدور ليبرمان، وزير الجيش الاسرائيلي، وزعيم حزب «اسرائيل بيتنا» اليميني العنصري].
بعد صفعة عهد التميمي بخمسة وخمسين يوما، وفي العاشر من شباط/فبراير الحالي، وجّه الجيش السوري صفعة بصاروخ (سام 5) الروسي الصنع، الذي اسقط الطائرة الحربية الاسرائيلية من طراز (إف 16 آي) الامر كية الصنع.
دوّت الصفعة السورية لسلاح الطيران الاسرائيلي، مثل ما دوّت صفعة «عهد» الفلسطينية، في شتى اصقاع الارض. وكان هذا الامر طبيعيا تماما، لأنه الحدث الأول من نوعه منذ اجتياح جيش العدو لجنوب لبنان، وحصاره للعاصمة العربية بيروت، سنة 1982. هذه الصفعة السورية، افقدت قادة جيش الاستعمار الاسرائيلي، ومنظِّريه وكتّابه شيئاً من صوابهم، وافقدت حكومة (اسرائيل) اليمينية العنصرية المتطرفة، وغلاة اليمين الاسرائيلي اكثر من ذلك بكثير.
نفرح وننتشي بصفعة عهد التميمي لضابط في جيش الاستعمار الاسرائيلي. ونفرح وننتشي بصفعة الجيش العربي السوري لسلاح طيران جيش الاستعمار الاسرائيلي. ونثق، مع هذا الفرح والانتشاء، بمستقبل يندحر فيه الاستعمار الاسرائيلي. لكننا نعرف ايضا أن دحر (إسرائيل) وجيشها الاستعماري لا يتم، لا بصفعة ولا بصفعات، فقط.
لا تكفي الفلسطينيين، ضحايا الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي المباشر؛ ولا تكفي الدول العربية وجيوشها، اهانة الجيش الاسرائيلي.
ما يكفي في هذه المرحلة، وما هو مطلوب تحقيقه في هذه المرحلة، هو دحر الاستعمار الاسرائيلي ذاته، وذلك ممكن في المستقبل القريب. يليه، في قائمة الاهداف: دحر العنصرية الاسرائيلية، ونظام الابرتهايد الاسرائيلي، حماية لليهود انفسهم، ولمستقبل ابنائهم واحفادهم، من لوثة العنصرية المهيمنة حاليا في (إسرائيل)؛ وذلك ممكن في المستقبل المنظور. واذا تعذر ذلك، يجيء دور دحر اسرائيل ذاتها، وذلك ممكن في «المستقبل» بمعناه التاريخي.
يعرف كل وطني فلسطيني، وكل قومي عربي، الفروق والاختلافات بين سوريا، البلد، سوريا الشعب والجيش العربي السوري الشقيق من جهة، وبين النظام السوري، من جهة ثانية، وبين هذين من جهة، وإيران من جهة ثانية، وبين كل هؤلاء من جهة، و(اسرائيل) من جهة اخرى.
سوريا وشعبها العربي المقهور، كانت وستعود لتكون «قلب العروبة النابض»، وجيشها الشقيق الاسير بيد نظام دكتاتوري فاسد، ما زال متماسكا لحسن الحظ، [نقول ذلك، ونحن نشاهد ما آل اليه العراق، إثر، وبسب، تفكيك ادارة الرئيس الأمريكي الاسبق، جورج بوش الابن، للجيش العراقي]. واما النظام السياسي السوري الفاسد فشيء آخر تماما. وإيران، الجارة الفارسية المتلفعة بالطائفية الشيعية، والطامعة بالهيمنة على سوريا وشعبها، بقبول، بل وبطلب، من نظامها الفاسد، (مثلها في ذلك مثل تركيا، الجارة العثمانية المتلفعة بالطائفية السنية، والطامعة بالهيمنة على اجزاء من سوريا)، شيء ثالث مختلف تماما. لكن من الغباء والخبل وسوء النية والسريرة، وضع (اسرائيل) في أي من هذه الخانات المرفوضة، والتي يجب العمل على مقاومتها ودحرها. (اسرائيل) ليست مجرد عدو فقط، انها «العدو» بأل التعريف، لكل وطني فلسطيني وسوري وعراقي ومصري، ولكل قومي عربي في المشرق العربي وفي المغرب العربي، من المغرب حتى عُمان. من الخليج العربي وحتى المحيط الاطلسي.
بي مَيلٌ جارفٌ، (أنا سعيد به)، لأُمور عديدة، بينها: التفاؤل والفرح..، بينها: قراءة التاريخ، ومحاولة استيعاب ابعاده، واستخلاص العِبَر منه..، وبينها ايضا: ربط الواقع وتعابيره وكلماته وأسمائه العصرية، بقصص التاريخ واحداثه، وما وصلنا من حكاياه ومن اساطيره ايضا.
من تلك الميول: اتفاءل بكلمة «عهد» وباسم «عهد». هي كلمة واسم وتعبير طالما اكثر الزعيم الفلسطيني الراحل الشهيد، ابو عمّار، من ترديده: «العهد هو العهد، والقَسَمُ هو القسم»، واستميحك ايها القائد الحبيب ان أُضيف إلى مقولتك الشهيرة لتُصبح: «العهد هو العهد، والعهد هو الصفعة التي وجهتها «عهد» والقسم هو القسم».
نتابع في نفس السياق ايضا: عهد التميمي من قرية «النبي صالح» المبنية على رأس تلة تطل على اراضي يملكها سكان واهالي القرية في تلة اكثر انخفاضا، اقام عليها الاستعمار الاسرائيلي مستعمرة/مستوطنة أسماها «حلاميش» (التي تعني حجر الصّوان). ننظر، ونتفكر، ونتذكر، فتتبين لنا الحقائق الآتية:
ـ جمع حاكم مصر، القائد العربي المسلم من اصل كردي، صلاح الدين الايوبي، جنوده وضباطه من اهل مصر واهل سوريا الكبرى (بلاد الشام) في سهل قرية «لوبية» الفلسطينية، يوم الجمعة الثالث من تموز/يوليو عام 1187، وأغار على القوات الصليبية المتمركزة تحت سهل لوبية فوق بحيرة طبريا، في قرية حِطّين، في اليوم التالي، يوم السبت 4.7.1187، في ما عرف لاحقا بـ«المعركة الحاسمة»، هي «معركة حطين»، التي شكّلت بدء العدِّ التنازلي لانتهاء وفشل ودحر الصّليبيين. لكن، لم تنته هيمنة واستعمار الصليبيين في تلك المعركة، وتم التوصل إلى اتفاقية قضت بالسماح لوفود حجاج اوروبا المسيحيين، (ولم تكن قد اكتشفت أمريكا بعد)، بالقدوم إلى القدس في مواعيد ومناسبات عيد الفصح المسيحي، وتخوّف صلاح الدين ومستشاريه من استغلال الصليبيين لتلك المناسبات والطقوس الدينية لحشد قوات وجيوش صليبية لإعادة هيمنتهم على فلسطين. وهنا تفتق ذهن صلاح الدين ومن معه إلى اختراع «انبياء» و«طقوس» دينية، تخدم مصالحهم في حشد قوات عربية لمواجهة ودحر أي طارئ. وكان من بين تلك «الاختراعات» طقوس دينية اسلامية مستحدثة، لعل ابرزها في فلسطين «خميس البيض» او «خميس الاموات» الذي يتجمع فيه الفلسطينيون في المقابر والمدافن، بكامل اعدادهم واسلحتهم، قبل ثلاثة ايام من يوم عيد الفِصح والحج المسيحي إلى القدس، وتم بالإضافة إلى ذلك «اختراع» مقامات واضرحة و«انبياء» على طريق الحجيج الصليبي إلى القدس، وتحديد مواقع لتجمعات تحت يافطات دينية، وإقامة قرى، منها، على ما يبدو، «قرية النبي صالح»، قرية بطلتنا عهد التميمي. واترك المتابعة هنا للمؤرخين المتخصصين.
لا يجوز لكل ما تقدم ان ينسينا، ان صاروخا، أمريكي الصنع، اسقط فوق سماء ادلب السورية، طائرة روسية من طراز سوخوي، قبل ايام من اسقاط صاروخ سوري، روسي الصنع، لطائرة اسرائيلية من طراز إف 16 آي، أمريكية الصنع.
هل هي «حروب بالوكالة»؟. وهل هو حوار بـ«لغة» لا تتقنها، (او قل بـ«لهجة» لا تفهمها) جميع مكونات الشرق الاوسط، الاصيلين منهم والطارئين: من عرب وفُرس وتُرك وكُرد، ويهود أيضا؟.
كان يمكن ألا نضطر إلى التوقف طويلا، والتّمعن والتّفكر عميقا، في هذا الذي يجري، لو لم يكن الدم الذي يراق دمنا، والدمع الذي ينهمر دمعنا. أمّا والأمر على ما هو عليه، فإن ذلك يستدعي مراجعة جدية لكل ما هو قائم ومعتمد من سياسات، على الصعيد العربي بمجمله، وعلى ساحتنا الفلسطينية بشكل خاص.