على بعد مئتي دونم إلى الشمال الغربي من مدينة القدس المحتلة يقع حي الخلايلة، أحد أحياء قرية الجيب، كان يفصل الحيّ عن قريته الأم بضع دقائق بالمركبة، لكنه بات اليوم مفصولاً تماماً ويمنع أهله من الوصول إلى قريتهم إلا بتصريح أمني في حين يُمنع أهالي "الجيب" من الوصول إلى الحيّ بتصريح أو بدونه .
ويوضح رئيس لجنة حيّ الخلايلة إسماعيل أبو رباح، أن معاناة الحي لم تبدأ منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية كما يعتقد الجميع، وإنما تمتد جذورها إلى العام 1980 حين منعت قوات الاحتلال أهاليه من البناء كلياً.
ويشير لصحيفة "فلسطين"، إلى أنه ومنذ ذلك الوقت لم تمنحهم سلطات الاحتلال أي ترخيص لبناء بيت واحد، وهدمت خلال السنوات الماضية ما يقارب سبعين بيتا في الحي في الوقت الذي وفرت كل ما يلزم للمستوطنين لتوسعة أربع مستوطنات تطبق على الحي (عزيف، وجفعون، وحدشا، والنبي صموئيل).
ويقول أبو رباح، إن معاناتهم ازدادت مع اندلاع الانتفاضة عام 2000 حيث اغلق الاحتلال، لأول مرة، الطريق الواصلة بين حي الخلايلة وأراضي قرية الجيب بالمركبات والمدرعات العسكرية؛ وبعد ثلاثة أعوام، ومع بناء جدار الفصل العنصري عُزل الحيّ بشكل كامل.
ويعيش في حي الخلايلة، وفقاً لرئيس لجنة الحي، ما يقارب 750 نسمة، بعضهم من حملة الهوية المقدسية والآخر من حملة الهوية الفلسطينية، وجميع السكان يعيشون نفس المعاناة بغض النظر عن لون هويتهم.
ويعود سبب تسمية الحيّ بـ"الخلايلة" لكون أول من اشترى أرضاً فيه شخص "خليليّ" من مدينة الخليل، تعود أصوله لعائلة فراح، فأخذ يشتري هذا الحاج أراضي من قرية الجيب ويبيعها لأقاربه وأصحابه فأطلق على المنطقة حي الخلايلة.
انعدام الخدمات
ويستطرد أبو رباح في الحديث عن المشاكل التي يعيشها الحي بفعل الحصار الذي يفرضه الاحتلال منذ سنوات، والإهمال الفلسطيني، بالقول إنهم يواجهون العديد من الأزمات في شتى القطاعات الخدماتية من بينها التعليم، والصحة، والمياه، والنظافة، وغيرها من المشاكل.
ويضيف أن السلطة الفلسطينية كجهة مسؤولة عن تأمين خدمات الحي "لا تبدي أي اهتمام به، وتمتنع عن تغيير البنية التحتية المسؤولة عن توصيل المياه إلى السكان"، مشيرا إلى أنه ومنذ أربعين عاما لم تُغير أنابيب المياه التي أكلها الصدأ مما أثر بشكل كبير على تدفق المياه.
ويلفت إلى أنه هذه ليست المشكلة الوحيدة، فسيارات جمع القمامة لا تصل للبيوت أيضاً، مما يضطر السكان إلى حرقها، الأمر الذي يؤثر سلباً على صحة سكان الحيّ.
ويبين أبو رباح، أن الحي يفتقر كذلك إلى أي عيادة أو مستوصف طبي أو حتى صيدلية، فيجبر المرضى على قطع مسافة طويلة نحو مدينة رام الله لتلقي العلاج، أو انتظار مبعوثية الإغاثة الطبية التي تزور الحيّ مرة كل ثلاثة أسابيع.
وينبه إلى أن سيارات الإسعاف لا تصل إلى حي الخلايلة إلا في حال حصولها على تصريح يسبقه تنسيق أمني يستغرق عدة ساعات وأحيانا يوما كاملا.
ويكمل أبو رباح "ليس المرافق الصحية وحدها المعدومة في الحيّ بل أيضاّ المرافق التعليمية كالمدارس ورياض الأطفال، ولا يملك أهالي الخلايلة تصريحاً لبنائها، فيضطر الأمر بنحو مئة طالب وطالبة للخروج إلى مدارس مدينة القدس إن كانوا من حملة الهوية المقدسية أو إلى مدارس الضفة الغربية إن كانوا من حملة الهوية الفلسطينية وذلك عبر مركبات خاصة لانعدام خطوط المواصلات العامة".
وتسرد "إسراء أبو رياح"، وهي إحدى طالبات الحيّ، معاناتها في الوصول إلى مدرستها بالقول "منذ أن أصبحت في الصف الأول وأنا أُعاني من التنقل عبر حاجز الجيب العسكري، فالمواصلات معدومة ولا يوجد في الحيّ مدرسة وبقي الأمر كذلك حتى عند وصولي للمرحلة الجامعية فكانت جامعتي في مدينة رام الله وكنت أهدر نصف وقتي بانتظار مركبة تقلني إلى الجامعة".
وتقول إسراء "انعدام المواصلات العامة مشكلة، وحاجز الجيب العسكري مشكلة أكبر فلا استطيع المرور عبر الحاجز في حال نسيت هويتي أو أضعتها، ولا يمكن لصديقاتي أن يزوروني إلا بتنسيق مسبق مع الاحتلال وبإصدار تصريح خاص".
كما يفتقر الحي إلى أبسط مقومات الحياة التي تحتاجها المنازل، والتي تمنعها سلطات الاحتلال للضغط على السكان، فلا تصل إليه بتصريح مسبق مع إدارة جيش الاحتلال للشؤون المدنية، من قبيل المواد الغذائية، وغاز الطهي، وبكميات محدودة، حيث يمنع تمرير أكثر من 20 رغيفاً و2 كيلو لحم، للأسرة في اليوم الواحد، وتملك جرة غاز طهي واحدة فقط، كما يقول المواطن خضر أبو رياح.
ومضى خضر بالقول لصحيفة "فلسطين": "نحن صامدون هنا لأجل الرباط فقط، ولك أن تتخيل أن تقدم جندي إسرائيلي على حاجز الجيب قائمة بمستلزمات المنزل التي أعدتها لك زوجتك، فيكون رده لم يصدر تصريح لهذه القائمة، (رجّعها أو كُبها)".