منذ أن احتل اليهود أرض فلسطين عام 1948، والذي تشرد على إثرها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني إلى بعض الدول العربية والأجنبية، أصبح من الضروري وجود مؤسسة دولية تقدم الخدمات الأساسية للفلسطينيين المشردين في الدول التي مكثوا إليها رُغماً عنهم بفعل التشريد والتهجير القصري الذي لحقه بهم الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت.
فتأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، حيث سخّرت الأمم المتحدة كافة الإمكانات والسبل لممارسة عمل أونروا، من أجل تقديم المساعدة والحماية لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في مناطق تمركز عملها الخمس، الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية، وقطاع غزة.
بدأت أزمات قطاع غزة الاقتصادية تتفاقم الواحدة تلو الأخرى في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي الفلسطيني المفروض والذي ظهر جلياً ما بعد انقسام 2007، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى أعلى معدلتها السنوية، وأُغلقت المعابر التجارية باستمرار، ناهيك عن توقف عجلة الإعمار بقطاع غزة خاصة بعد العدوان الأخير الذي سبب دماراً كبيراً في البنية التحتية والتجارية، فأحدث شللًا كبيراً في الاقتصاد بغزة.
بالإضافة إلى أن رواتب موظفين القطاع أصبحت لا تقضي حاجاتهم الأساسية الأولية نتيجة الخصومات التي فرضتها السطلة الفلسطينية على موظفيها، وعدم قدرة حكومة غزة على إعطاء الراتب الكامل لموظفيها، وحركة المصالحة باتت تسير كالسلحفاة، حيث بات الأمل من تحقيقها يكاد معدوماً، والكارثة الكبرى هو تقليص المساعدات التي توزعها "أونروا" على الطبقة الأشد فقراً في القطاع، وبات المواطنون يُطلقون على عام 2018 عام الفقر والجوع، بعد كل تلك السياسات الداخلية والخارجية الممارسة تجاههم.
وبعدما كانت "أونروا" هي النافذة الوحيدة التي تنقذ مئات آلاف من اللاجئين الفلسطينيين من الانزلاق نحو كارثة الجوع الحقيقي، باتت تشكل خطراً حقيقيًا يمارس ضدهم.
وبينما كانت معظم الخدمات التي تقدمها تأخذ شكلًا تعليمياً، وصحيا، وإغاثيا، وأن أي تقليص بإعاناتها يعني أننا سنجد أنفسنا نواجه مخاطر معيشية كبيرة ربما الأولى من نوعها، حيث تعتبر هذه المساعدات هي المنفذة الوحيد لأكثر من 65% من أبناء القطاع الذين لديهم قدرة قليلة للحصول على فرص لكسب لقمة العيش.
ورغم استنكار دولي واسع لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لـ(إسرائيل) في 6 من ديسمبر الماضي فكان بداية ظهور الوجه الحقيقي لعداء ترامب للفلسطينيين، فهي ليست المرة الأولى التي تتخذ الإدارة الأمريكية قرارات مجحفة بحق الفلسطينيين أثناء ولاية ترامب الرئاسية، في عام 2016 جمدت مبلغ يقارب 221 مليون دولار من المنح السنوية المقدمة للسلطة الفلسطينية، جاء هذا التجميد بعد قيام السلطة الفلسطينية بتخصيص مبلغ من المنحة للأسرى الفلسطينيين المعتقلين داخل معتقلات الاحتلال، معتبرة ذلك دعما لما تنعاهم بالإرهابين.
وفي تغريدة لترامب على موقع التدوين القصير "تويتر" قبل عدة أشهر قال: "إن واشنطن تعطي الفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنوياً، ولا تنال أي تقدير أو احترام منهم"، متسائلاً لنفسي.. هل كان هذا بداية إعلان إنهاء مهام مؤسسة أونروا في فلسطين التي تأسست منذُ 70 عاما؟ وهل ستختلف الوعود والشعارات التي أطلقتها منذُ ذلك الزمن، باعتبارها ستعمل جاهدة في توفير حياة ملائمة للاجئ الفلسطيني.
ماذا لو تم فعلياً تنفيذ قطع المساعدات عن الفقراء؟ بالتأكيد سيزيد الوضع سوءاً رغم أنه زاد في الانحدار الفترة القليلة الماضية وهذا ما لاحظناه في حالات كثيرة ظهرت على المواطنين وارتكابهم لأفعال غير سلوكية من أجل جني المال بطرق غير مشروعة.
باتت هناك سياسة واضحة تتبعها أونروا بتعليمات من الخارجية الأمريكية، كسياسية ضغط على القيادة الفلسطينية لربما لتعطيل عجلة المصالحة والمضي قُدمًا لتحسين الوضع في قطاع غزة في حال تنفيذها.
تلك السياسة غير المنصفة بحق الفلسطينيين ستحرمهم من مخصصاتهم التي كانوا يتلقونها من أونروا، وصولاً إلى إنهاء تعاقدات بعض الموظفين والاستغناء عنهم مثلما فعلت في إغلاق مكتبتين للقراءة إحداهما في رفح جنوب قطاع غزة والأخرى في الشمال من القطاع بمنطقة جباليا مبررة ذلك بالعجر المالي، لكن يبدو الأمر محمولًا بمعنى آخر وهو بداية تصفية القضية الفلسطينية.
ماذا لو توقفت هذه المساعدات.. فمن يسد بطون الجياع؟