بذريعة الحفاظ على الأمن والقضاء على ما أسمته "الإرهاب"، شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أخيرا، بتشييد غرف إسمنتية في محيط باب العامود التاريخي في القدس المحتلة، رافعا بذلك سقف تهويد المدينة المقدسة.
ويتذرع الاحتلال بأن الغرف الإسمنتية تهدف للحفاظ على عناصره من العمليات الفدائية التي ينفذها الفلسطينيون؛ احتجاجا على اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، والانتهاكات بحقهم، فيما يجزم المقدسيون بأن هذه الغرف ستكون "للتفتيش والتحقيق الميداني".
وأكد مدير مركز إعلام القدس محمد الصادق، أن سلطات الاحتلال اختارت باب العامود دون غيره؛ كونه الباب الرئيس لمدينة القدس وهو الذي يحدد طبيعة الصراع مع الاحتلال، بسبب مرور الجنود والمستوطنين منه صوب البلدة القديمة وحائط البراق.
وبين الصادق لصحيفة "فلسطين" أن تشييد 3 غرف إسمنتية في منطقة باب العامود، يأتي بهدف تفتيش الشبان الفلسطينيين ومراقبة تحركاتهم بشكل دائم، لافتا إلى أن عملية تركيب عشرات الكاميرات في منطقة الباب والطريق الموصل الى المسجد الاقصى هي جزء من مخطط تهويد منطقة باب العامود وفرض سيطرة الاحتلال عليه.
وأشار الصادق إلى أن سلطات الاحتلال تخطط لإغلاق باب العامود بشكل تام لمدة عامين كاملين؛ بذريعة ترميم وصيانة البنية التحتية في البلدة القديمة، منوها إلى أن الاحتلال ضمن مخططه سيحاول سرقة أحد أسواقه الصغيرة (الواقع يمين الباب)؛ بحجة وراثته عن الحكومة الأردنية.
وقال إن "الاحتلال يحاول خلق امتداد بين مناطق غرب القدس وشرقها ليعزز لدى السائح بأن هذه الأرض إسرائيلية ولا وجود فلسطيني فيها"، محذرا في الوقت ذاته، من عزم الاحتلال رفع أعلامه في منطقة باب العامود فوق الغرف التي يشرع بتشييدها.
وأضاف: "لقد جرت العادة عند الاحتلال برفع أعلامه فوق أي مقر يشيده او يتواجد فيه من أجل خلق بصمة له، وفي منطقة باب العامود تحديداً يهدف لإظهار هذه البصمة من خلال أي صورة سيلتقطها أي سائح لمدينة القدس مستقبلاً".
وأكد الصادق أن الهدف الإسرائيلي من وراء تحويل باب العامود لثكنة عسكرية؛ أن يحد من النشاط السياحي في القدس المحتلة.
وأشاد المقدسي بالحراك الشعبي لأبناء شعبنا في جميع أماكن تواجده، كما أشاد بحراك الشعوب العربية والاسلامية بالقدس، مشددا على ضرورة الحراك الرسمي من قبل الحكام العرب لنصرة القدس.
موت اقتصادي
ومن وجهة نظر التاجر المقدسي هاشم السلايمة، فإن ما يحدث في باب العامود هو خطوة احتلالية جديدة لقتل اقتصاد المدينة المقدسة عامة والبلدة القديمة خاصة.
وبين السلايمة لـ"فلسطين" "لولا أجر الرباط وحبنا للقدس، لأغلق جميع تجار بلدة القدس القديمة محالهم وانتقلوا الى أماكن أخرى"، مشددا على أن جميع محاولات الاحتلال بطردهم والاغراء بشراء المحلات لن يثنينا عن الصمود في المدينة.
وقال السلايمة "باب العامود هو عصب تجاري لبلدة القدس القديمة، فمنه يتفرع طريق سوق باب خان الزيت وسوق الواد، الا ان اجراءات الاحتلال الأخيرة والتشديدات الأمنية في المنطقة جعلت هذا العصب يموت بشكل تدريجي حتى وصل الأمر الى عدم تحقيق أي تاجر هامش ربح يمكنه من تلبية احتياجات منزله الاساسية".
وعبر السلايمة عن أسفه لما ستؤول إليه الأوضاع في منطقة باب العامود في ظل الصمت من قبل السلطة الفلسطينية خاصة والحكومات العربية والاسلامية عامة.
وناشد التاجر المقدسي، أهالي المدينة لضرورة الصمود والتصدي لقرارات الاحتلال والتواجد المكثف في باب العامود قائلاً "من أحبط مشروع البوابات الالكترونية في الاقصى يستطيع ان يحبط بناء الغرف الاسمنتية في باب العامود".
وبنظرة تاريخية، فقد اتسم باب العامود بأجمل أبواب المدينة زخرفة وأعظمها ضخامة ومساحة، ويعود بناؤه إلى العهد الروماني (القرن الثاني الميلادي) علما أن بناء العمود الرئيس فيه كان على عمق ثمانية أمتار، وخلال الفترة الصليبية كان بناء الباب على عمق أربعة أمتار، وأما البناء الحالي للباب فيعود للفترة العثمانية، وفق المؤرخ المقدسي محمود جدة.
وأوضح جدة لـ"فلسطين" أن باب العامود حظي باهتمام خاص من قبل جميع الحضارات التي وجدت في مدينة القدس؛ كونه يقع في الواجهة الشمالية للمدينة والتي كانت الواجهة الوحيدة تقريباً التي تأتي منها القوافل التجارية وتحط رحالها في باب العامود.
وقال إن "المكانة التاريخية والاقتصادية لباب العامود جعلته محط أطماع الاحتلال في هذا الباب ظنا منه أنه قد يكون هناك أي ثغرة تاريخية أو طرف خيط بوجود ما يسمى الهيكل في المدينة".
وأشار إلى أن باب العامود عانى من انتهاكات الاحتلال منذ عام 1967 حيث أجرى فيه تغيرات ديمغرافية وعمل على العبث بأسوار باب العامود عدة مرات.
وتعد أبرز هذه الاعتداءات التي بدأت مع اندلاع انتفاضة الاقصى عام 2000م، والتي تخللها تقليص وتحديد عدد المارة من باب العامود.
واعتبر جدة أن تشييد الغرف الاسمنتية في باب العامود ضربة في خاصرة تاريخ وديمغرافية باب العامود، مؤكدا أن بناء هذه الغرف "لن يُفقد باب العامود تاريخه وان حاول الاحتلال التزييف ولكنه بكل تأكيد سيعمل على تغيير جذري في جمالية هذا الباب".