طوبى لشهيدنا البطل أحمد نصر جرار. فقد ارتقى الشاب وحيداً مثلما هم الاستثنائيون في تاريخ الكفاح الوطني التحرري. وقف قاتلوه حول جثته، مثلما حدث في موقعة قتل تشي جيفارا في أكتوبر 1967، وهذه وسيلة الإيضاح الشائعة عالمياً، وقد باتت أيقونة برسم جيفارا، تُرسم على القمصان وتُعلق على الجدران، وتُطبع على أكواب الشاي والميداليات. علماً بأن مثلها كثير، حدث في وقائع استشهاد مقاومين، مفعمين بسالة، كباسل الأعرج، في فلسطين، في مارس 2017 ومئات سواه، في بلادنا!
كل واقعة يُطارد فيها بطل، ثم يتمكن منه الأوغاد الإمبرياليون، كان هناك مقاوم شجاع، وشعب يحبه، وأعداء يعاونهم متواطئون حثالات، لا يستفزهم أنين الشعب ولا أحزانه!
ظاهرة البطل الفرد، باتت أيقونة وحيدة في سياقنا الراهن. فلا تخلو أوقاتنا، من اسم واحد من الغاضبين حتى الانفجار، أو ممن يأخذون ناصية التحدي وبذل الدم أو العمر في السجون، يصعد الى سمائنا فجأة. وفي الفجوة الزمنية الفاصلة بين بطل شهيد وآخر، يمكن أن تصعد الى علا مكانة الشهداء الأدبية، والى مصاف الرمز المحتشد بكل الدلالات المعبرة عن أصالة شعبنا؛ طفلة كعهد التميمي، تصرخ وتصفع جندياً، كأنما هي رفعت يد التاريخ مع يدها، وأدت مهمتها الرمزية.
هنا، تفتش كل واقعة عن قُرّائها، فيستوعبها القارئون جميعاً، وهي الشعب ومناصروه من شتى الأمم، لكنها تستعصي على أولئك الذين نسوا، أو لا يعرفون أصلاً أبجديات الشعب!
لعل العدو يتوهم، أن خاتمة الظاهرة والحكاية، تحققت له بموت الأحمدين أحمد إسماعيل جرار، وأحمد نصر جرار. يبارك نتنياهو القتل، وكأنه أنجز النصر على أحمدنا الثاني بعد قتله. يتغاضى الغاشمون عن كون معركتنا عادلة. فأحمد الثاني، لم يقتل حاخاماً في نيويورك، وإنما قتل مستوطناً يتطفل على أرضنا ويعيث فساداً ويؤجج الحرب التي يسعى لإدامتها جيلاً بعد جيل. كانت أرضنا هي مسرح المقاومة التي استهدفت المُعطى الاستيطاني الذي يدينه العالم كله. والشهيد لم يرتق إلا في وطنه، وما قاتله إلا آخر محتل توسعي استيطاني لأراضي شعب آخر في العالم. أما المغزى الذي كُتب بدم هذا الشهيد، فهو أننا باقون على أرضنا، مقاومون للمحتل جيلاً بعد جيل!
ثمة فرضيّة، أن العناصر الممسكة بمقاليد الأمور في أجهزة عباس الأمنية، تعاونت على اكتشاف مكمن أحمد نصر جرار. والعدو الذي يحتقر معاونيه ولا يكترث لحرجهم أمام شعب يحب مناضليه وشجعانه وأنقياءه، لن يتكتم طويلاً على الحقيقة، وسيُفصح عنها كاملة.
أسرة الشهيد، أحمد نصر جرار، قالت في اليوم التالي لنسف منزلها، وفرار ابنها المقاوم، واستشهاد أحمد إسماعيل جرار؛ إن السلطات الأمنية الفلسطينية جاءت بآليات رفع الأنقاض سريعاً، وبشكل غير مسبوق، بهدف معرفة ما إذا كان المقاوم أحمد نصر، قد قُتل تحت الأنقاض، أم إنه فر من المكان، وهذه معلومة يتقصاها الاحتلال، في إطار ما يُسمى "التنسيق" الأمني. وعندما عرفوا أن أحمد نصر حي وفر من المكان، أبلغوا أهله رسالة تطالبه بتسليم نفسه!
الموقف الذي يلخصه استشهاد أحمد نصر جرار، نجل الشهيد نصر الذي ارتقى في العام 2002 هو أن هذا الشعب، لن يكف عن مقاومة الاحتلال بالوسائل المتاحة. وأن "المقاطعة" في جانب، والشعب الفلسطيني في جانب آخر، وأن الولاء الشعبي، للأبطال الرموز الفرادى، الذين يبذلون دماءهم الطاهرة الزكية، لمواساة شعبهم والإبقاء على قضيته حيّة ومقاومته نابضة، وليست عظاماً مُلقاة في قاع الوادي!