لقد حرص الإسلام على تماسك وتعاضد وتكافل المجتمع المُسلم، ورغم التفاوت في الأرزاق بين الناس، إلا أن الشارع الحكيم حرص على ألا تتكدس الأموال في يد فئة قليلة من المجتمع، فجعل تقسيم الفيء (ما يؤخذ من العدو باستسلام العدو دون قتال) غير تقسيم الغنائم ، قال الله (تعالى): {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ}، وفرض الزكاة والكفّارات المالية وغيرها وحث على الصدقات وإطعام الطعام، فهذا مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية كي يعيش كل أفراد المجتمع في كفاف ووئام.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(:" مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، فأفراد المجتمع كأعضاء الجسد الواحد، فعندما يشتكي عضو تتداعى سائر الأعضاء وتستنفر كل طاقاتها لنصرة ذلك العضو حتى يبرأ ويتعافى.. هكذا يجب أن نكون، لا أن ينحصر اهتمام الواحد منا في نفسه وأسرته فقط وهو قادر على مساعدة الآخرين والتخفيف من معاناتهم، لذا عندما جاء رجلٌ يسأل النبيَّ (صلّى الله عليه وسلّم) عن أحب الناس وأحب الأعمال إلى الله، قال: " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا".
أرأيتم؟! لم يقل أحبُّ الناس إلى الله أكثرهم صلاة وصياماً، بل قال: "أنفعهم للناس"، هكذا أيها الأخوة الأحباب يجب ألا نعيش لأنفسنا فقط بل أن نعيش معاً ونحمل الهم معاً ونساعد بعضنا بعضاً، فثواب السير في حاجة من حوائج الناس أفضل من الاعتكاف في المسجد النبوي شهراً، بل قال في ذات الحديث: " وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ ".
يثبّت الله قدميك على الصراط المضروب فوق جهنم يوم تزول الأقدام عنه، بمشيك مع أخيك في حاجته، فتكشف عنه كربة أو ضائقة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ". وقال: "الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".