فلسطين أون لاين

​أسير محرر تستره خيمة على شاطئ البحر .. حكاية حق وكرامة لا كوبونة!

...
عائلة الأسير اللحام (تصوير / محمود أبو حصيرة )
غزة - حنان مطير

وسط مدينة رام الله، نصب الأسير المحرر هاني اللحام (57 عامًا) خيمته احتجاجًا على إهمال السلطة الفلسطينية أمر التنسيق الأمني له للعودة لغزّة، المدينة التي وُلِد بها وناضل فيها منذ الانتفاضة الأولى عام 1987.

قبل سنوات، ضاقت به الحال ولم يعُد راتبُه الذي يتقاضاه كأسير محرر كافيًا لتسديد إيجار البيت، حيث تجمعت من حوله عناصر من أجهزة أمن السلطة لإزالتِه من المكان وباتت تعبّر عن استيائها من ذلك المظهر الذي تصفه بـ"غير الحضاري".

"فلسطين" التقت اللحام في خيمته الثانية على شاطئ بحر غزّة والتي نصبها منذ ثلاث سنوات ليروي حكاية تشرّدِه من خيمة رام الله إلى خيمة غزّة، وقد أشعل بجوارها النار تحت سخّانة ماءٍ طلاها السخام الأسود فقال: "أحد المسئولين آنذاك كان يتحدث لأجهزة السلطة وقد أدار لي ظهره وأنا في خيمتي في رام الله كأنني رجلٌ تافه بلا قيمة، وراح بضجرٍ وتهكّم يصفني بأنني ابن غزّة إنسانٌ غير حضاري وأقوم بفعل غير راقٍ يشوه المدينة الجميلة".

ويضيف: "ثارت ثائرتي فأنا على يقين بأن المشهد غير لائق ولا مقبول، إنما كان فعلي اضطرارًا واحتجاجًا لتغيير وضعي وإعطائي حقّي في العودة لغزّة، وكلّ ظنّي أنّي سأحيا فيها حياةً أفضل".

تمكّن اللحام من الدخول لغزّة فيما بعد من خلال الأردن فمطار القاهرة في مصر ثم أنفاق غزّة، وعاش حياةً مستقرةً لفترةٍ معينة إذ تمكن من فتح مشروع صغير في تربية الدواجن، وفق قولِه.

انتهت حرب العصف المأكول عام 2014 فخرج اللحام وأطفاله الخمسة وعائلته فرِحين بانتهاء الحرب وقد ربطوا عصب كتائب القسام الخضراء على أجبنتهم صغيرهم وكبيرهم وانطلقوا يهللون ويهتفون "الله أكبر" كباقي أهل غزّة الذين تجرّعت طعم المُرّ والألم طيلة 51 يومًا، ومن بعدها تفاجأ اللحام بأن راتبه قد انقطع، يوضح لـ"فلسطين".

تقديس المقاومة

ويكمل: "المقاومةُ هي النهج الوحيد الذي أقدّسه بغض النظر عن التنظيم الذي تتبعه، فكلّ التنظيمات لا تهمّني بكل تفاصيلها".

ويذكر اللحام أنه قضى في سجون الاحتلال عشرة أعوامٍ من بينها خمسة مُثبتات، ويقول: "هذا يضمن حقي في الراتب كأسير، ولديّ الدليل الخاص الموثق رسميًا من الصليب الأحمر، الذي يُثبت أن زيارتهم الأخيرة لي في سجون الاحتلال كانت قبل شهر ونصف الشهر من إتمام خمسة أعوام في الأسر، وقد وُثِّق في التقرير الخاص بالصليب الأحمر حينها -والذي ما زلت أحتفظ به- أنني ما زلت قابع في سجون الاحتلال، إذ قضيت بعد زيارتهم ثمانية أشهر".

ووضح اللحام أنه قضى فترات في سجون الاحتلال من عام 1977-1980، ثم من عام 1987 -1990، ثم من عام 1992 حتى عام 1994.

ويوجه اللحام رسالةً تذكيرية لرئيس هيئة الأسرى والمحررين عيسى قراقع مفادها أنه صاحب حقّ في الراتب وأنه ليس هناك أي مبرر لحرمانه منه، ورأى أنه من الجور والعدوان أن يدفع كرامته وكرامة أولاده ضريبة حبّه للوطن.

رسالة أخرى وجهها لوزير الأشغال العامة والإسكان مفيد الحساينة بتنفيذ وعده بزيارة خيمتِه وذلك عبر لقاءٍ على الهواء في إذاعة القدس المحلية، مضيفًا: "ما زلتُ أنتظر الإيفاء بالوعد".

مظلومون وليس متخلفين

اللحام وزوجتُه ضجرا من كثرة المؤسسات التي تأتيهم لتصور المعاناة التي يعيشها وأولاده الثلاثة في تلك الخيمة المسقوفة بالنايلون والأقمشة، ناهيك عن مشاعر الذلّ التي يرفضان أن يعيشاها مهما بئس حالهما.

زوجته أم أحمد اللحام (32 عامًا) وتعود أصولها لمدينة رام الله، والتي تحيا في غزّة بلا أم أو أب أو قريب تستند إليه أو تأوي عنده وقت الضيق والحاجة تروي لـ"فلسطين" بأسف: "من يأتي إلى الخيمةِ يظن أننا متخلّفون لمجرّد أننا نسكن في خيمة، ويتعاملون معنا بتلك الطريقة التي لا نقبلها، وتحدث أحيانًا مشادّات كلامية بسبب تلك النظرة".

وتقول: "إننا نربي أولادنا أفضل تربية ونعاملهم أفضل معاملة رغم ظروفنا الصعبة، ليكونوا أبناء الوطن يدافعون عنه ويحمونه، لكن من حقّ أولئك الصغار أن يعيشوا كباقي الأطفال في بيتٍ كريم يأويهم من برد الشتاء وحرّ الصيف، ونباح الكلاب الضالة ليلاً والتي يفيقون على أصواتها برعب في حين لا يفصل بينهم وبينها سوى قطعة قماش الخيمة أو النايلون".

وتضيف: "في تلك الغرفة نحن عرضةٌ لكل المشاكل لأننا ببساطة نحيا بالشارع، وكل ما يتعرض له الشارع نلمسه ونعيشه ونتأذّى بسببه".

وتروي: "ذات مرة فوجئنا برجال يقارب عددهم الخمسة، يقتحمون الخيمة. ظنناهم في البداية قادمون من مؤسسة ما لمعاينة ظرفنا، لكن هيئتهم وطريقة دخولهم لم تُوحِ بذلك، لنكتشف أنهم رجال أمن يبحثون عن لصٍ هاربٍ!".

وتتابع: "ليس للبيت حرمة ولا خصوصية، ففي أي لحظة قد تجد أحدهم يأتي للخيمة بلا استئذان، لذلك فإن ثوب الصلاة هذا لا يفارق جسدي، أنام وأفيق وأعمل كل شيء وأنا أرتديه".

أما زوجها المُحرّر والذي يتميز بموهبة الفنّ التشكيلي والنحت دون القدرة على توفير المواد الخام لتحقيق ذلك فيقول بتهكّم: "إننا نعيش في تلك الخيمة كالأصحاب وليس الأزواج، فأنا على أهبة الاستعداد لأيّ حركة أو صوتٍ أو إشارة تأتي من خارج الخيمة!".

وكانت أم أحمد وزوجها قد نصبا "كُشكاً" صغيراً على شارع البحر يبيعان فيه الشاي والقهوة ليقيتا نفسيهما وأولادهما الثلاثة ملك وأحمد وأصغرهم صالح، هؤلاء اللذان لعبتهما الوحيدة الاختباء في الثلاجة التالفة بجوار الخيمة بعد أن يغطوها بإحدى "فرشات" الإسفنج.

وتؤكد أم أحمد أن أحدًا لا يموت من الجوع ما دام أهل الخير موجودين، وأن حكايتهم حكاية حق وكرامة لا "كوبونة".