بعيدًا عن الواجب المطلوب والنخوة التي من المفترض أن تستجيب لصرخات المعذبين والمقهورين من ظلم البعيد والقريب، ضمن معادلات فن الممكن ومع مراعاة هذه المرحلة التاريخية المأزومة والمهزومة هناك سؤال جارح صارخ يطرق قلب كل حر في هذا العالم: لماذا لا نملك لهذا المشهد التراجيدي الملخص في انهيار غزة إلا المشاهدة؟ أبلغ بنا العجز والخور هذه الدرجة ونموذج الكرامة والصمود والتحدي يقتل في أموره المعيشية، يجابه حروبًا ضروسًا بكل قوة وعنفوان ويرد الغازي مذمومًا مدحورًا ثم يخنق في الطعام والشراب والدواء.
المشهد مظلم، ليس فقط بسبب الكهرباء وإنما بسبب تخلي الأقرباء، تغرق غزة في الظلام ودول قريبة بطولها وعرضها تنعم بالذي يقلب ليلها نهارًا، وعندما تثار نخوتها النائمة تتحرك حيث يريد الأمريكان.. هي ذات النخوة المبصرة هناك حيث تذهب بقضها وقضيضها لتنير ليل اليمن بالقنابل والصواريخ تصبح هذه النخوة عمياء لا تبصر ولا ترى عندما يشار إلى غزة الغارقة في الظلام.
لا يثير النخوة العربية النائمة هذه الأيام سوى البديل الإيراني، تلك الدولة التي لم تبدل ولم تغير من موقفها من المقاومة الفلسطينية في مرحلة ما بعد الشاه، حيث انتصرت إرادة الشعب الإيراني على إرادة أمريكا و(إسرائيل) في إيران، بعد ما كان خير من يجسدها في المنطقة هو حكم الشاه. منذ ذلك الوقت والموقف ثابت من دعم القضية الفلسطينية والوقوف موقفًا مبدئيًا حازمًا مع كل من يواجه هذا الكيان الغاصب المحتل.
والمطلوب هو ألّا نستجدي أحدًا لا تحركه نخوته وهو يرى ويشاهد ما يحل في غزة، مضى عهد الاستجداء ولم يعد يجدي إلا الحياة التي تسرّ الصديق والممات الذي يكيد العدا، صحيح أن السياسة الحكيمة تتطلب ألّا نخسر أحدًا ولكن ليس بأي ثمن.. ها هم يطلبون من الفلسطينيين أن يكونوا أوصياء على المقدسات الإسلامية في القدس ومعروف ذلك لأنه مقدمة لبيعها كما باعوا أنفسهم للشيطان.. ويطلبون مقابل ما يدفعون مواقف مذلة ومهينة لسياساتهم الطائشة وغير المسؤولة إلى درجة لا يقبلها صاحب أدنى حس وطني فكيف بمن يملك عزة وكرامة؟ كيف بمن سطر نصرا عزيزا رغم إمكاناته التي لا تقارن مع إمكانات المحتل؟ أيطلب من غزة العزة ما يطلب من زعامة رخيصة اعتادت العيش من كرامتها وعلى حساب رصيدها الوطني المأزوم. لا يمكن لغزة بحساباتها السياسية وبروحها المبدئية أن تقبل لنفسها أن تسير خلف الشيطان.
إن تخلى عن غزة من لا يستحق شرف الوقوف معها وإن أصر البعض أن يلقي عليها من ظلامه فوق الظلام الذي تغرق به، فإن لغزة من يقف معها من أحرار هذه الأمة، هناك من ييسره الله الذي لا يترك عباده نهبًا للظالمين.. هو ابتلاء يمحص الله به الصادقين من الموالين لأعداء الأمة.. الأمة لا تخلو من الخير والبدائل على ما أعتقد جاهزة ومستعدة ولن ترضى بانهيار غزة أو ضياعها على موائد اللئام.. غزة لا تطرق أبواب اللئام وتمد يدها لكل صاحب نخوة ومبدأ يريد لنفسه العزة كما هو حال غزة.