أمريكا بقيادة مجنونها ترامب تريد فرض صفقة القرن، وكأنها قدر سيحل على المنطقة، ويتصور بعضٌ أنه لا مناص من الاستجابة للإرادة الأمريكية، كون أمريكا أعظم دولة في العالم ولا قبل لأحد بمعارضة أو مقارعة هذا المارد الجبار، فإما أن ينحني ويستجيب أو أن تكسر رقبته ويخرج من المشهد السياسي، فليس له إلا التوسل والاستجداء، كما عبر عن ذلك وزير خارجية إحدى الدول العربية بصراحة دون أية مواربة.
ولقد كانت أمريكا من قبل تعطي مساحة لزعماء المنطقة أن يحفظوا ماء وجوههم أمام شعوبهم؛ فتتيح لهم التصريح والخطابة البليغة بما يعرف لغايات الاستهلاك المحلي، إذ عندما سئل وزير خارجية أمريكي سابق: "ماذا عن مطالبة زعماء الدول العربية بالدولة الفلسطينية في وسائل الإعلام؟" قال: "هذا للاستهلاك المحلي"، اليوم لا تسمح أمريكا بحفظ ماء الوجه، ولا لغايات الاستهلاك المحلي، يجب أن يدفع ويصرح في العلن، ولا يظهر لهم خلاف ما يبطن.
وترامب بدوره جاء بالوجه الأمريكي العنجهي الذي يظهر بصورته الحقيقية دون أية دبلوماسية أو تزيين؛ فهو كما وصف نفسه عبقري متزن، يريد بذلك أن يثبت للناس قدراته العقلية التي أصبحت مكان شك بعد رؤية الناس السنة الأولى من حكمه، هو الآن بتصريحه هذا يثبت عكس ما أراد إثباته، ويثبت أنه غير واثق في قدراته، لذلك وضع نفسه شخصيًّا في موقف دفاع، وكان من باب أولى أن يتحدث عن السياسة الأمريكية، وعبقرية الإدارة الامريكية والفريق العامل في هذه الادارة، إن كان لابد.
ومن المعروف أن ارتفاع المستوى الحضاري أو انخفاضه للدول والأمم لهما مؤشرات، أهمها نشر العدالة والحرية والقيم الإنسانية العليا، أما إذا وجدنا دولة _مهما عظمت_ قوتها ظالمة وتقف مع الظالمين، ويصل إلى سدة حكمها معاتيه من هذا النوع، ولا تعنيها القيم الإنسانية البتة، بل إذا تعارضت مع مصالحها فإنها تضرب بها عرض الحائط؛ فهذا يدل على أن هذه الدولة مهما عظمت فقد فقدت رسالتها الحضارية، ولم تعد تتبوأ السيادة الحضارية لهذا العالم، لذلك إنها لا تملك أن تحقق كل ما تريد بما تمتاز به من قوة مادية؛ فهي ليست قدرًا على الشعوب والدول المستضعفة، لأنها حادت عن رسالتها الحضارية، ولم تعد مؤهلة حضاريًّا لقيادة العالم، وهكذا كل الحضارات على مر التاريخ، تعلو دول وتنخفض أخرى بناء على هذا الميزان. الحضارة الإسلامية قادت الحضارة الإنسانية عدة قرون، عندما كانت ذات رسالة حضارية للعالمين، وعندما كانت تنشر العدل وترفع الظلم والآصار والأغلال عن الناس، أما عندما ظلمت وتجبر ملوكها فإنها تراجعت وانهزمت، وتسلم القيادة الحضارية للحضارة الإنسانية آخرون.
أمريكا ليست قدرًا، وإنما هي عرض زائل لظلمها وانحيازها إلى الظالمين، وعلى ذلك شواهد كثيرة، فلم تستطع أمريكا أن تنزل قدرها على الصومال، ولم تستطع أن تصل إلى أهدافها في العراق، نجحت بقوتها وجبروتها أن تحتل العراق، ولكن ماذا جرى بعد الاحتلال؟، لم تكن أمريكا قدرًا في فيتنام ولا اليابان، مع استخدامها القنابل النووية، ولا في كوريا الشمالية ولا إيران، ولم ينجح انقلابها في تركيا ... والأمثلة طويلة، فلماذا تكون قدرًا على العرب؟!، هي قوة تدميرية هائلة بالفعل؛ فقد دمرت العراق وسوريا وليبيا واليمن بيدها أو أيدي حلفائها ودعمها غير المحدود لهم، ها هو السلاح الأمريكي يدمر الدول ويهلك الحرث والنسل والبشر، ويشوه الجغرافيا والتاريخ، وكل المعاني الحضارية، ولكنه لا ينتصر، لأن شعوب المنطقة تلفظه، ولا تؤمن بحضارته الزائفة التي تفشل وتظهر بصورتها البشعة على أرض الواقع، مهما بلغ حجم التضليل والتزييف.