ما كان جهاز هندسة المتفجرات التابع للسلطة الفلسطينية لينتهي من تفكيك حقل العبوات الذي كان مزروعًا في إحدى طرق شمال الضفة الغربية المحتلة، الجمعة قبل الماضية، حتى شرعت الأجهزة الأمنية بعمليات اعتقال وملاحقة لنشطاء وأسرى محررين بغية الوصول إلى المقاومين الذين زرعوا العبوات في الطريق الذي تسلكه قوات الاحتلال.
وفي اليوم التالي لاكتشاف السلطة 12 عبوة ناسفة على طريق "خلة الطويلة" الواصل بين بلدتي علار وعتيل شمال مدينة طولكرم، شنت أجهزة أمن السلطة حملة اعتقالات واسعة في البلدات القريبة من المنطقة، طالت سبعة أسرى محررين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بعدما فتشت منازل المعتقلين بشكل دقيق وصادرت هواتف وأجهزة حاسوب.
وحاولت أذرع السلطة منذ اللحظة الأولى تشويه عمل المقاومة والادعاء أن من أعد العبوات لا يستهدف إلا الفلسطينيين كون أن الطريق يسلكه مواطنون وسط أراض زراعية، إلا أن سكان المنطقة أكدوا بأن الطريق تسلكه دوريات جيش الاحتلال خلال عمليات اقتحام ومداهمة قرى طولكرم الشمالية.
حرب مسعورة
الأسير المبعد إلى غزة من طولكرم، عبد الرحمن شديد أوضح أن عملية اكتشاف حقل العبوات جاءت بالصدفة في بداية الأمر، ولكن بعدما علم أمن السلطة بالخبر سارع إلى تطويق المنطقة وإزالة العبوات بتعاون كامل مع الاحتلال الإسرائيلي في إطار سياسة التنسيق الأمني.
وقال شديد لصحيفة "فلسطين": "في فجر اليوم التالي شن جهاز الأمن الوقائي حملة اعتقالات مسعورة ضد أسرى محررين بهدف الوصول إلى المقاومين الذين زرعوا هذه العبوات شديدة الانفجار"، مشددًا على أن ادعاءات السلطة بأن العملية كانت تستهدف السلم المجتمعي باطلة جملة وتفصيلاً.
وأضاف "أي عبوات تزرع في الضفة معروفة بأن هدفها هو الاحتلال، في ظل عدم وجود أي برهان يثبت عكس ذلك، فضلاً عن تاريخ أجهزة السلطة الزاخر بعمليات ملاحقة المقاومين وعملياتهم البطولية"، مبينًا أن اكتشاف عبوات علار هو جزء لا يتجزأ من الحرب المسعورة التي تشنها السلطة ضد رجال المقاومة في مختلف مدن الضفة الغربية.
وبين شديد أن أجهزة السلطة الأمنية والإعلامية كذلك اعتادت في كل "خيانة وطنية" تشويه العمل المقاوم واقناع الناس بأنه يحدث مؤامرة تستهدف مصالح الشعب بالدرجة الأولى، وذلك بهدف ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة في الضفة.
وكان الناطق باسم أجهزة أمن السلطة عدنان الضميري وصف في وقت سابق الجهة التي زرعت العبوات بأنها "جهة معادية"، وقال: "هناك أجندات خارجية تحاول إثارة الفتنة في بلادنا ولكن وعي شعبنا كبير".
تعاون مشترك
بدوره، ذكر الكاتب السياسي ياسين عز الدين أن السلطة تحاول تشويش الرأي العام الفلسطيني عبر التشكيك في نوايا الذين زرعوا العبوات، مستفيدة من حقيقة أنهم مجهولو الهوية ولا أحد يعرفهم، لكن لا أحد يزرع عبوات بهذا الحجم في الضفة إلا مستهدفًا قوات الاحتلال، مثلما أوضح ياسين.
وأضاف ياسين لصحيفة "فلسطين" :"طبيعة الاعتقالات التي استهدفت أسرى محررين لهم أسبقيات بتنفيذ عمليات ضد الاحتلال أو التخطيط لها، تؤكد على أن السلطة تكذب عندما توحي بأن العبوات ليست من تخطيط مقاومين، كما أن الطريق يستخدمه الاحتلال في حملات المداهمة الليلية وليست كما تزعم السلطة طريقا فقط للفلسطينيين".
وربط ياسين بين عمليات الملاحقة التي تشهدها عدة مناطق في طولكرم وبين اكتشاف العبوات، قائلاً "السلطة لا تكشف شيئًا عن سبب الاعتقالات لكن حجم المداهمات وتخريب المنازل والبحث الموسع، وطبيعة المعتقلين فجميعهم تقريبًا أسرى محررون من حركتي حماس والجهاد الإسلامي كلها مؤشرات تؤكد على وجود علاقة بين العبوات والاعتقالات".
ويعتقد ياسين أن السلطة لا تعلم على وجه التحديد من زرع العبوات، لكنها تحاول حصر المقاومين وإيجاد طرف خيط للوصول لهم وذلك بناء على تنوع انتماءات المعتقلين بين تنظيمين، مشيرًا إلى أن الاحتلال يشرف على عمل السلطة التي تسلمه نتائج تحقيقاتها تباعا، وفي ذات الوقت ينفذ الاحتلال أعمال ملاحقة خاصة به.
يذكر أن قوات الاحتلال دخلت في مساء اليوم التالي لاكتشاف العبوات إلى المنطقة حيث فجرت عبوتين إضافيتين، وقامت بتمشيط المنطقة واعتقال عدد من المواطنين من قرى طولكرم.