يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على تمرير "صفقة القرن"، التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تصفية القضية الفلسطينية.
واتضح ذلك جلياً، حينما أبلغ المبعوث الأمريكي لعملية السلام جيسون غرينبلات، القناصل الأوروبيين المعتمدين في القدس المحتلة، خلال لقاء جمعهم قبل أيام، بأن "صفقة القرن" الجاري إعدادها باتت في المرحلة الأخيرة، وستُعلن قريباً.
ونقل عنه أحد المشاركين في اللقاء قوله، إن "الطبخة على النار (صفقة القرن)، ولم يتبق سوى إضافة القليل من الملح والبهارات".
ويستغل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أوضاع البلدان العربية والإسلامية المتردية، التي أنهكتها الأزمات والنزاعات الداخلية، للانقضاض على القضية الفلسطينية، وتمرير مخططاتها التهويدية وخاصة "صفقة القرن" بمساعدة هذه الدول، وفق مراقبين.
ورأى المحلل السياسي والباحث في الشأن الفلسطيني بلبنان د. وليد محمد علي، أن ترامب يراهن على ضعف الدول العربية، لتمرير الصفقة، خاصة بعدما تفاجأ بالموقف الفلسطيني بما فيه السلطة "المتساوقة مع المشروع الأمريكي" الرافض لها.
وقال علي خلال في حديث لـ"فلسطين" عبر الهاتف، إن قوى المقاومة كان لها موقف حاسم برفض الصفقة مذ بدء الحديث عنها، كونها "حلقة جديدة تكمل اتفاقية أوسلو التصفوية".
وأوضح أن جميع الأطراف الفلسطينية، بما فيها السلطة، لم تقبل بصفقة القرن، ولم تتجاوب مع طروحات ترامب، لذلك لجأ للنظام الرسمي العربي كونهم لا يستطيعون رفضها، وقادرين على ممارسة ضغوط على الفلسطينيين.
وفي رده على فرص تطبيق الخطة في حال رفض السلطة الانخراط بالعملية السلمية، قال غرينبلات، إن "الفلسطينيين ليسوا طرفاً مقرِّراً، والخطة الجاري إعدادها هي خطة للإقليم؛ الفلسطينيون طرف فيها، لكنهم ليسوا الطرف المقرِّر، بل الإقليم".
وفي هذا الإطار يقول علي إن ترامب مارس الضغط المالي على الفصائل ومنظمة التحرير والأونروا، بهدف اخضاع الفلسطينيين، وقبولهم الصفقة، لكنه فشل في ذلك، وهرب للأمام، بالحديث عن صفقة إقليمية.
وأوضح أن الولايات المتحدة تبتز وتضغط على السلطة سياسيا بتقليص المساعدات لدفعها للقبول بالصفقة، بمعنى أنه "إذا لم توافقوا عليها (الصفقة) ستمر بغض النظر عن موقفكم".
ويرى علي أن الإدارة الأمريكية لا تهتم بالمواقف المُعلنة للأطراف، بل ألا تُعرقل رؤيتها الإقليمية السياسية عبر تفعيل المقاومة.
"ترامب الحالم"
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأردنية د. خالد عبيدات، مع سابقه، قائلاً "المنطقة ليست لترامب ولا أسياده، وما يتم تداوله عن صفقة القرن كلام لا منطقي".
وعد عبيدات في حديث لـ"فلسطين" عبر الهاتف، بمثابة أحلام يسعى صانعها "ترامب" لتحقيقها، مستدركاً "لكن لا يُمكن لهذا الحالم تطبيق صفقاته على المنطقة".
وقال: "إذا تمكن من تطبيقها فستكون مؤقتة، ولن تزيد المنطقة إلا عدم استقرار"، مُستبعداً أن يتم تمرير الصفقة "المشبوهة" على الإطلاق.
ولفت إلى ضرورة وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام، لمواجهة مخططات ترامب وقراراته "إذ سيبقى ظهرنا مكسوراً إذا لم تتم الوحدة الفلسطينية"، وفق قوله.
ورأى أستاذ العلوم السياسية، أن القضية الفلسطينية لن تتأثر بمثل هذه الصفقات، وستبقى أولوية للعالم أجمع، لا سيما أنها تمثل هرم كل قضايا الدول العربية.
ملامح الصفقة
واستمرار الحديث عن الصفقة يترك تساؤلاً مهماً حول طبيعة ملامحها، ويجيب عن ذلك المحلل السياسي علي، "بأنه ليس هناك بنود واضحة لها، لكن الواضح أنها تقضي بإنهاء قضية القدس، واللاجئين والحدود وبقاء المستوطنات، وهي بذلك تصفي القضية الفلسطينية".
والناحية الأخرى للصفقة، والكلام لعلي، أنها ستؤدي إلى تطبيع بين أنظمة عربية ودولة الاحتلال، "وهو ما يريده الكيان في مرحلته الجديدة، بعد أن وصل لمأزق في مواجهة مشروع المقاومة، وفشل في تحقيق أي انجازات".
ونبّه إلى وجود خطر يحدث حالياً قبل تمرير الصفقة، يتمثل بمحاولات الاحتلال جعل النظام العربي، يوافق على اعتبار القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وأن اليهود شعب له حق في دولة.
وبيّن أن الخطر يكمن في نمو "ظاهرة الصهيونية العربية التي تتلاقى مع المسيحية الصهيونية، ليكونوا في خدمة الصهيونية اليهودية، وهذا يشكل خطرا بإمكانية تمرير الصفقة"، وفق علي.