أسرّة بلا مرضى، غرف مبيت أطفأت أضواءها، وأجهزة ومعدات طبية متوقفة عن العمل، تلك الكلمات، هي أقرب وصف للحال الذي وصل إليه مستشفى بيت حانون الحكومي شمال قطاع غزة، عقب نفاد الوقود الخاص بمولدات الطاقة فيها.
الخدمات الطبية توقفت بالكامل، ولم يعد هناك قدرة على استقبال أي حالات مرضية في جميع أقسام المستشفى، مهما بلغت قسوة وصعوبة الحالة الصحية، يُضاف ذلك إلى تعطل الأجهزة والمُعدات الطبية المستخدمة في العلاج.
"عذرًا، لا نستطيع استقبال المرضى" لسان حال الأطباء والممرضين، لسكان بلدة بيت حانون، حينما يريد أحدًا منهم تلقي أي خدمة طبية مهما كانت طبيعتها، وسمعها أيضًا مراسل صحيفة "فلسطين" الذي زارها.
ويكررها أيضًا مدير المستشفى د. جميل سليمان، مؤكداً أن المستشفى بات عاجزًا عن تقديم الخدمات الطبية للمرضى في مختلف التخصصات الصحية، مهما كانت طبيعة حالته الصحية.
وأوضح سليمان لصحيفة "فلسطين"، أنه تم توقيف إجراء العمليات الجراحية المجدولة بشكل كامل، مشيرًا إلى أنه يُجري 10-12 عملية جراحية يوميًا، "لكن الآن لا نستطيع إجراء أي عملية".
وبيّن أن المرضى المنومين والمحتاجين للرعاية جرى تحويلهم إلى مستشفيات أخرى، مثل الإندونيسي والنصر للأطفال، من أجل ضمان تقديم الخدمة العلاجية لهم بالحد الأدنى، لافتًا إلى أن العاملين سيضطرون لاستخدام "الكشافات" خلال الساعات المقبلة، نظرًا لعدم وجود إضاءة في المستشفى.
وتطرق سليمان إلى الأجهزة والمعدات الطبية المُستخدمة لعلاج المرضى، مؤكدًا أنها قديمة وبالية، ولم يتم تطويرها منذ إنشاء المستشفى، "وهو ما يضاعف الأزمة لديها".
وأشار إلى أن الأجهزة الطبية "مهترئة" ولا تلبي الحد الأدنى لعلاج المرضى، وهو ما يعكس عدم رضا المواطنين عن الخدمة المُقدمة.
وطالب مدير المستشفى، جميع المؤسسات الدولية والعالمية، بما فيها منظمة الصحة العالمية، ومنظمات حقوق الإنسان، بالتحرك العاجل لإنقاذ حياة المرضى لديه، بشكل خاص، والوضع الصحي الكارثي في قطاع غزة بشكل عام.
ويلاحق الخطر والتهديد بتوقف الخدمات الطبية واستقبال المرضى، مستشفى الشهيد محمد الدرة الواقع شرق مدينة غزة، خلال الساعات القليلة المُقبلة، نظرًا لقرب نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية.
ترقب وقلق
ويقول مدير مستشفى الشهيد محمد الدرة د. ماجد حمادة: "نعيش حالة من الترقب والقلق، وساعات قليلة تفصلنا عن توقف الخدمات المُقدمة للمرضى".
وأكد حمادة لصحيفة "فلسطين" أن المستشفى ليس لديه أي وقود إضافي "غير الموجود في خزانات المولدات حاليًا"، وستتوقف خلال ساعات.
وأوضح أن المستشفى يعمل حاليًا ضمن خطة طوارئ جرى إعدادها مُسبقًا، تتمثل باقتصار تقديم الخدمات الطبية للحالات المرضية المتوسطة فأقل، مثل الرعاية الأولية، مشيرًا إلى أن أكثر من 100 ألف طفل من المنطقة الشرقية يتلقون العلاج فيه.
وأضاف: "سنضطر لإغلاق أقسام المبيت في المستشفى، حال استمرار الأزمة"، مشددًا على أن "هذا الأمر سيُحدث إرباكا كبيرا في العمل والخدمة المُقدمة"، لافتًا إلى أن المستشفى يستقبل 180 حالة مرضية يوميًا.
وبيّن حمادة، أن استمرار الأزمة سيدفع المستشفى لتحويل الحالات المرضية لديه، إلى مستشفيات أخرى، الأمر الذي يفاقم الأعباء الملقاة على المستشفيات، ويؤثر في جودة الخدمة المُقدمة في ظل تراكم الأزمات من نقص دواء وإمدادات طبية.
وناشد كل الضمائر الحية في أنحاء العالم، بالتحرك لإنقاذ القطاع الصحي وحياة المرضى، مطالبًا بضرورة تجنيبه المناكفات والتجاذبات السياسية.
وتحدث أن كفاءة الأجهزة الطبية المُستخدمة في علاج المرضى تتراوح ما بين الجيدة والمتهالكة، لافتًا إلى أنهم يحاولون إجراء صيانة لها بشكل مستمر "لكن لا تكون بنفس الكفاءة".
كما بدأ ناقوس الخطر يطال المستشفيات الكبرى في قطاع غزة مثل "الشفاء والأوروبي والنصر والرنتيسي"، خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، وهو ما حذرت وزارة الصحة من الوصول إليه.
وعّد مدير قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى الشفاء بغزة د. أيمن السحباني، نفاد الوقود في مستشفيات القطاع، بمثابة "هلاك للمرضى".
وحذر السحباني في تصريح سابق لـ"فلسطين"، من توقف الخدمات الطبية في مجمع الشفاء في حال نفاد الوقود وتوقف الكهرباء، مشددًا على ضرورة تحييد القطاع الصحي من الخلافات السياسية.
وبحسب السحباني، فإن عدد المرضى المنومين داخل مجمع الشفاء الطبي نحو 700 مريض، جلهم بحاجة ماسة للطاقة الكهربائية التي تجنبهم الخطر، خاصة في قسم "العمليات والغسيل الكلوي، وحضانات الأطفال، والعناية المكثفة".
تجدر الإشارة إلى أن المستشفيات تحتاج إلى 450 ألف لتر من الوقود شهريًا، لتشغيل المولدات الكهربائية في حال انقطاع التيار الكهربائي لمدة تتراوح بين (8-12 ساعة) يوميًا، بينما تحتاج لحوالي 950 ألف لتر (شهريًا) حال انقطاع الكهرباء لمدة 20 ساعة يوميًا، وفق وزارة الصحة.