قالوا إن أهم ما يميز قلم الرصاصة ثلاثة أمور: الامر الاول: القالب الداخلي وهو ما يخط ويكتب، فإن كانت خامته جيدة كانت الكتابة واضحة وبينة تسر القارئين وإن كانت من النوع الرديء كانت فاهية وقد تتكسر اثناء الكتابة فلا تسر كاتبا ولا قارئا.
الامر الثاني هو الممحاة، إذ إن قلم الرصاص إن أخطأ ولم يعبر جيدا عما يريده الكاتب كانت له الممحاة بالمرصاد: فتمحوه ليعيد القلم الكرة من جديد فيحسّن من أدائه ليتحف في النهاية القارئ بمضمون جيد جاء بإخراج فني جميل.
أما الامر الثالث: فعملية البري المؤلمة للقلم، إذ يضطر للتنازل عن أجزاء من جسمه الصلب بغية تحسين الاداء والارتقاء بنوعية الكتابة وعدم السماح بالتراجع ولو كلفه ذلك الالم الشديد والمزيد من الدموع الساخنة الممتزجة بوعورة الطريق وشدة الابتلاء.
إن أي خلل في اي أمر من هذه الامور الثلاثة في قلم الرصاص سينعكس على النتائج ولن نصل الى أهدافنا الا اذا تمتع قلمنا بأداء جيد في هذه الامور الثلاثة، هل نتصور مثلا أن هناك من يكتب دون ممحاة؟ قد نجد من يعتبر نفسه انه لا يخطئ أو أنه إن أخطأ لا توجد عنده خاصية التراجع أو احتماله لنقد الاخر الذي يقوده الى تصويب أخطائه.
وقصتنا مع القضية الفلسطينية قريبة جدا من قصتنا مع قلم الرصاص، فقلوبنا وصدق انتمائنا للقضية والقدس والتي يجب أن تكون هي الاعلى والاقوى انتماء لذواتنا ومصالحنا الخاصة وحتى فصائلنا وأحزابنا فهي بمثابة قالب قلم الرصاص.. هي التي تنجز الفعل والموقف، هي التي تحقق الوحدة والتوحد، هي التي تصوب البوصلة نحو القدس دون أن تحيد عنها قيد أنملة.. إن كانت قلوبنا حية ونابضة بهذا الانتماء لهذه القضية العظيمة أتقنا صنع قالب قلم الرصاص وتوقعنا أحسن الاداء السياسي وكتبنا على صفحات التاريخ أروع ما يُسَطّر في سفر التاريخ المشرق.
إن واقعنا يقول غير ذلك إذ إن هناك كتابات فاهية وقوالب تتكسر وتتعثر كلما أرادت الكتابة. هناك من أخذته دنيا المصالح الضيقة والدوران في فلك الذات والحزب على حساب القضية والدوران في فلك المراتب والرواتب والتساوق مع سياسات تتناقض مع مبادئ القضية والثورة والمنطلقات التي كانت القضية أساسها فأصبحت الآن في هامش الهوامش وهناك وهناك... الخ .
أما الممحاة ودورها في التصويب والتصحيح وأخذ العبر من الاخطاء والمسارات التي سرنا فيها ردحا من الزمن ثم نجد أنفسنا بلا ممحاة او أنها معطلة.. لا نجد سياسيا يقف ليقول أخطأنا عندما راهنا مثلا على... أو عندما وقعنا على كذا... أو عندما صرحنا وقلنا كذا... أو عندما تسرعنا في كذا... أو عندما غرر بنا يوم كذا... شعارنا في السياسة انه " لم يكن بالامكان أفضل مما كان" وقد نتجنى على القضاء والقدر فنقول هكذا ما كتبه الله لنا. وهذا ليس في السياسة فحسب وانما في ادارة المؤسسات حيث لا نجد في القاموس الفلسطيني من يقول على الاقل: انه كان بالإمكان أن يكون أداؤنا أفضل.. وعلى عكسنا تماما الاحتلال إذ عند أي إخفاق عندهم يتم تشكيل لجنة تسمى لجنة استخلاص العبر. الممحاة عندنا في الغالب معطلة ولا أحد يحتمل وجودها خاصة في العمل السياسي حتى في نقاشاتنا السياسية، قلّ من تجد انه يقول أخطأت في التحليل والرأي السياسي حتى لو وجدها عنزة فسيقول طارت.
والامر الثالث عملية البري إذ ان قضية من هذا النوع وهي تواجه أعتى قوى الشر في العالم لا بد وأن تحتاج الى تضحية واستعداد نفسي لهذه التضحية، لا يمكن أن يتصور أحد أن هناك من يريد أن ينتمي ويعمل لهذه القضية دون أن يبتلى أو يمسه سوء! ولكننا تصورنا هذه الايام ورأينا من يحقق مع الاحتلال مقولة "رضي الاحتلال عنهم ورضوا عنه" وفي نفس الوقت ينطلق لسانه الفصيح البليغ بما لا يباريه أحد عن القضية والقدس وكل ما من شأنه ألا يزاود عليه أحد.. وهو مطمئن وهادئ البال وغير مضطر لاية تضحية أو مغامرة غير محسوبة تغضب منه الاحتلال.. ما عليه الا ان يسند ظهره على ارث فصيل ثوري او كان ثوريا ويدعي الانتماء اليه فيضرب بسيفه ويصبح حامي حمى القدس وفلسطين بكليمات لا تسمن ولا تغني من جوع.
نعم هناك من توصل الى معادلة قلم رصاص لا يحتاج الى البري ولا يحتاج الى ممحاة ويكتفي برصاصة مسالمة لا تكتب الا فاهيا ولا تزعج أحدا وسرعان ما تتكسر في أية مواجهة مع الاحتلال..
ولنعلم أيها الاخوة الكرام أبناء فلسطين والقضية أن الاحتلال لديه قلم حاد الرصاص وممحاة له بالمرصاد ولديه استعداد للبري رغم أن جلده وعقيدته القتالية قد تراجعت كثيرا ولكن تنتظر قلما فلسطينيا رصاصته قاسية وممحاته فاعلة وعنده استعداد عال للبري والتضحية.