تلجأ سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى ممارسة سياسة التضييق "الممنهج" وفرض العقوبات على أهالي الشهداء والمُناضلين في مختلف مدن الضفة المحتلة، والتي تصل إلى مرحلة هدم البيوت التي تُؤويهم.
ومن الواضح أن الاحتلال يسعى من خلال هذا النهج لتدفيع الأهالي ثمن تضحيات أبنائهم حتى بعد استشهادهم، في ظل عجزه عن مواجهة الشهداء أنفسهم، في محاولة منه لردع المقاومة الفلسطينية.
الشواهد الحية على ممارسات الاحتلال وهدم بيوت الشهداء كثيرة، آخرها ما جرى مع عائلة الشهيد أحمد إسماعيل جرار في جنين، حينما أقدمت الجرافات الإسرائيلية على هدم منزله، وأربعة منازل أخرى لأقاربه في نفس المنطقة.
ويؤكد محمد جرار شقيق الشهيد أحمد، أن الاحتلال لا يتوانى عن الانتقام من أهالي الشهداء، عبر سلسلة من المضايقات، تتمثل بالاعتقالات والمداهمات وصولاً إلى هدم المنازل.
ويوضح جرار في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن آليات الاحتلال هدمت بيتهم و4 بيوت أخرى، بشكل "تعسفي" دون السماح للأهالي بأخذ الأغراض اللازمة لهم، معتبراً ذلك "عقابا جماعيا لعائلات الشهداء".
ويضيف أن "هذه السياسة ليست غريبة على الاحتلال، ويهدف من خلالها إلى تشتيت شمل العائلة، خاصة في ظل أجواء الشتاء والبرد القارس"، لافتاً إلى أن الاحتلال ينتقم من كل فرد ينتمي للعائلة حالياً.
ورغم إجراءات الاحتلال "المسعورة" ضد عائلته، والكلام لجرار، إلا أنها لن تشكل رادعاً للاستمرار بمقاومته، ولن تثني أبناء الشعب الفلسطيني عن صمودهم وتمسكهم بأرضهم.
لجوء في الوطن
ويذكر المحامي محمد عليان والد الشهيد بهاء، أن الاحتلال ينتهج سياسة الوعيد والتهديد ضد عوائل الشهداء منذ اللحظات الأولى لاستشهاد أبنائهم.
ويوضح عليان لصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال ينفذ قرارات حكومته التي صدرت في شهر أكتوبر عام 2015، وهي ترك عائلة الشهيد في حياة جحيم، من خلال استمرار الاعتقالات وسحب الهويات والإقامات ومنع العمل وتغريمهم بمبالغ طائلة واحتجاز الجثامين، وصولاً إلى هدم المنزل.
ويعتبر قضية هدم البيوت "بمثابة تشريد العائلة للشارع، بحيث تصبح حالة لجوء جديدة في الوطن، لا سيما أن البيت يتحول إلى ركام ويتحول إلى ماضٍ".
ويشير إلى أن هذا "العقاب الجماعي" يقع على أشخاص لم يرتكبوا الفعل، "وهذا مخالف للقانون الدولي والإنساني".
وينبّه إلى أن هدم البيوت يأتي بتسويغ مما تُسمى المحكمة الإسرائيلية العليا، استناداً إلى المادة 117 من قانون الطوارئ الاسرائيلي.
وبحسب عليان، فإن الاحتلال هدم حوالي 30 بيتاً لعائلات الشهداء، منذ شهر أكتوبر عام 2015 بداية "انتفاضة القدس"، 10 بيوت في القدس، و 20 في الضفة.
ويؤكد عليان وهو الناطق الرسمي باسم ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم، أن هدم البيوت لن يشكل رادعاً للمقاومة، بل ستزيد من إصرار وعزيمة الشعب الفلسطيني على مواجهة الاحتلال.
وفي السياق، يُعبر عليان عن أسفه، من حجم تضامن القيادة الفلسطينية مع عائلات الشهداء، واصفاً إياه بـ "الخجول ولا يرتقي للمستوى المطلوب"، مشيراً إلى أن السلطة لديها إمكانيات مهاجمة الاحتلال دولياً ومحلياً.
ويختم حديثه، بمطالبة الكل الفلسطيني بجعل قضية عائلات الشهداء "شأنا وطنيا" ويشارك به الجميع، داعياً السلطة، للتوجه لمجلس الأمن ومحكمة الجنايات، لممارسة الضغوط السياسية على (إسرائيل).
كما ناشد عليان، كل المؤسسات الحقوقية لضرورة تبني ملف سياسة هدم بيوت أهالي الشهداء.
جديدة قديمة
من ناحيته، يقول المنسق الإعلامي للجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في بلعين د. راتب أبو رحمة، إن هدم بيوت أهالي الشهداء والمقاومين هي "سياسة جديدة قديمة" مشيراً إلى أنها بدأت منذ انطلاق مقاومة المحتل.
ويوضح أبو رحمة في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال أمعن في سياسة الهدم في الفترة الراهنة، خاصة بعد انتفاضة القدس، أكثر من السابق، معتبراً إياها "عقابا جماعيا".
ويؤكد أن هذه السياسة لن تثني المناضلين عن الاستمرار في نضالهم ضد الاحتلال، "وهو أطول احتلال في العالم"، معتبراً أن البيوت "ليست أكثر أهمية من الأرواح التي تهدم على رؤوس أصحابها الذين ضحوا من أجل فلسطين".
ويناشد أبو رحمة، أبناء الشعب الفلسطيني لأن يكونوا يداً واحدة ويقفوا إلى جانب المناضلين، على الصعيدين الرسمي والشعبي، لدعم أسر المناضلين وتعويضهم مالياً.