من على جدران مدينة جنين ومن بين أزقتها وفي أماكنها العامة كالمتنزهات والمدارس نطقت حكاية القدس، لتنقل إلى كل من يراها معالم المدينة العتيقة: بيوتها وشوارعها ومساجدها وكنائسها، وتحدّثهم عن أساليب النضال الفلسطيني وأبجدياته، كالمقاوم والمرأة والشيخ والطفل، وتمنحهم الأمل في نصرٍ قادم منبعث مع أشعة الشمس بألوانها المتوهجة، مع الوجع الذي يدك أرجاء المدينة بسبب سياسات الاحتلال الإسرائيلي ضدها وضد أهلها.
الفنان التشكيلي "محمد الشريف" من مدينة جنين شمال الضفة الغربية عندما كان طالبًا على مقاعد الدراسة بدأ مشواره الفني متجهًا نحو الخط العربي، ثم طوّر أداءه ليتعلم بناء "حروفيات" في الخط، ومزج بين الخط والمدارس الفنية المختلفة منها التجريدية والانطباعية.
"حكاية القدس"
قال الشريف لـ"فلسطين": "ركّزت على تطوير مهاراتي لأنهض بعالمي الفني، وكان ذلك بمجهود ذاتي، وبدراسة ذاتية عن مدارس الفن المختلفة، لأكون في النهاية اكتسبت أسلوبًا خاصًّا وبصمة تمثل ذاتي، ومختلفة عن الفنانين الآخرين، وذلك بالاقتباس من عدة مدارس".
وأضاف: "الفن هو أسلوب خاص للفنان، ينسجه حسب الحالة أو الموقف الذي يجول في وجدانه متبعًا المدرسة التجريدية أو الانطباعية أو بحروفيات من الخط العربي"، لافتًا إلى أنه يقتبس أفكار لوحاته من الحالة التي يعيش فيها، ومن الواقع الفلسطيني.
على أسوار مدينة جنين رسم الشريف "حكاية القدس"، ليجذب بها قلوب المارة، لا أعينهم فقط، بأربع لوحات ضخمة.
وبين أنه لم يختَر رسم الجدارية في الأماكن العامة عبثًا، بل فعل ذلك بهدف ترسيخ الثقافة المقدسية، وتعزيز مكانة المدينة تاريخيًّا عبر الأجيال المختلفة، قائلًا: "أردت من رسم الجدارية أن يراها الناس دون موعد أو تكلفة، خاصة في ظل منع الاحتلال الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى".
وأشار إلى أنه استطاع بذلك الخروج من ضيق المعارض واللوحات التي لا تسمح له بالتعبير عن كل ما بداخله.
وكأغلب الفلسطينيين يواجه الشريف سياسة المنع من زيارة القدس وممارسة موهبة الرسم في ربوعها وساحاتها، ولكنه عمل على اقتناص فرصة الذهاب إلى المستشفيات المقدسية لعلاج ابنه ليسترق النظر لمعرفة أدق تفاصيل المدينة، لينقلها عبر الجداريات التي سيرسمها.
وتلك النظرات الخاطفة ساعدته على تشكيل جداريته باحترافية ودقة، وإظهار تفاصيل مساجد زهرة المدائن وشوارعها وكنائسها كأنها حقيقة أمام الناظر إليها، وأضاف إليها رموزًا تؤكد تمسك الفلسطينيين بأرضهم، كالمرأة والثوب الفلسطينيين، ومفتاح العودة وغير ذلك، وأضاف إليها حروفيات أظهرت جمال الجدارية، إذ ذكر بها مدنًا فلسطينية محتلة، وبيوت شعر، وعبارات من الأدب الفلسطيني.
وسام الفنان
ولفت الشريف إلى أنه شارك في عدة معاض دولية ومحلية، استطاع فيها تمثيل فلسطين بعدة دول، ولم يسعَ يومًا إلى نيل الجوائز التي لا تعني له شيئًا، "فالفنان الحقيقي هو من يرسم ما يشعر به، وهو من يحرك مشاعر المتلقي بصدقه وروح رسالته بشفافية وعفوية صادقة، هذا وسام الفنان"، على وفق قوله.
ولضيفنا جداريات رمزية في مختلف أنحاء فلسطين، ويأخذ في الحسبان في أثناء رسمها أن يجعلها تخاطب فئات الشعب الفلسطيني جميعًا، وغالبًا تكون فكرة الجدارية تتعلق بالرموز الوطنية والدينية والكنعانية.
وكأي إنسان فلسطيني يتمنى الشريف أن يعيش حياة خالية من الظلم والاضطهاد، ليتمكن من العمل دون المعيقات التي تعترض طريقه، مع أنه لا يلتفت إليها ويتجاوزها ليكمل مسيرته، ولاشك أنه يطمح إلى رسم الانتصار الحقيقي في وقت قريب.