أثارت سياسة رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب، تجاه القضية الفلسطينية، بعد عام على توليه رئاسة البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، جدلًا عربيًا وعالميًا واسعًا، بسبب موقفه العدائية من الحقوق الفلسطينية، بعد أن كانت بلاده راعية لعملية "التسوية" بين منظمة التحرير و(إسرائيل) لأكثر من 20 سنة مضت دون أن تلتزم (إسرائيل) باستحقاقات ما يعرف باتفاق (أوسلو) لسنة 1993.
وإن كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تؤمن بضرورة إلزام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بحل الدولتين، إلا أن ترامب قضى على هذا الأمر بإعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
وجاء الإعلان عن ذلك في خطاب للرئيس الأمريكي في 6 ديسمبر/ كانون أول 2017، بعد أن كان قد أعلن خلال حملته الانتخابية عن نيته نقل السفارة إلى مدينة القدس المحتلة، تنفيذًا لما يعرف بـ"صفقة القرن".
فلسطينيًا، قوبل القرار برفض كبير وانتفاضة شعبية في غزة والقدس والضفة المحتلتين في وقت استخدمت فيه قوات الاحتلال القوة المفرطة ضد المتظاهرين والمحتجين الفلسطينيين، ما أدى إلى إصابة واستشهاد المئات منهم.
أما إسرائيليًا، فقد لاقى إعلان الإدارة الأمريكية ترحيبًا كبيرًا، ودعوات للإسراع في إجراءات نقل السفارة.
تراجع القضية
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعات الضفة د.كمال علاونة، إن القضية الفلسطينية تراجعت كثيرًا في السياسية الأمريكية التي يتبعها ترامب.
وقال علاونة في اتصال هاتفي مع "فلسطين"، إن ترامب شكل طاقمًا مكونًا من 10 أشخاص، بينهم 3 من اليهود المتطرفين ممن يعملون ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد أن ما طرحه ترامب خلال زيارته الأولى للشرق الأوسط بعد توليه رئاسة البيت الأبيض، تصفية للقضية الفلسطينية عبر إلغاء حل الدولتين التي كان يسعى المجتمع الدولي لإنجازه على مدار سنوات طويلة.
وفي مقابل ذلك، كما يقول علاونة، زادت المساعدات الأمريكية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فيما تعهد ترامب بتقليص المساعدات المقدمة للسلطة، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل الفلسطينيين في الشرف الأوسط "أونروا".
وقال: "من المؤكد أن لا أحد ينتظر شيئًا جديدًا لصالح القضية الفلسطينية من إدارة ترامب".
وأوضح ان إعلان ترامب بشأن القدس لم يكن حديثًا، إذ أقر الكونجرس الأمريكي ذلك في 1995، وكان كل رئيس يفوز بالإدارة الأمريكية يؤجل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، إلى أن جاء ترامب وأعلن ذلك على الملأ.
واعتبر أن ترامب استند في إعلانه إلى واقع الوضع الإقليمي والدولية المعاكس لمصالح الأمة العربية والإسلامية، والحروب والنزاعات الداخلية في عدة دول عربية.
وشدد على أن ما يجري في السياسية الأمريكية والإقليم تجاه القضية الفلسطينية، يعبر عن خطة جديدة لتصفيتها من خلال ما تسمى "صفقة القرن".
وبحسب تقرير عريقات، تسعى خطة الإدارة الأميركية لإيجاد حل لمشكلة اللاجئين، لكنها لن تسمح بحق العودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وكانت القناة العبرية العاشرة قالت: إن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، سلم الرئيس محمود عباس، تقريرًا يحتوي على تفاصيل "صفقة القرن" التي تعدها الإدارة الأمريكية.
وبين التقرير أن خطة ترامب هي جزء من الاستراتيجية الأميركية والتي تتمثل في "فرض الإملاءات"، وتنص على أن "من يريد السلام عليه الخضوع لإملاءات البيت الأبيض، ومن لا يخضع فهو إرهابي يجب محاربته".
وعن موضوع القدس، قال عريقات في تقريره المكون من 92 صفحة، إن الإدارة الأميركية تريد منح الفلسطينيين عاصمة في ضواحي القدس المحتلة، وأن على (إسرائيل) توفير حرية التنقل والذهاب إلى الأماكن المقدسة والمحافظة على الوضع القائم فيها، بحسب القناة العبرية.
وعن حدود الدولتين، تشمل خطة ترامب، بحسب التقرير، ضم 10% من مساحة الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال، وأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، طلب من ترامب ضم 15% من مساحة الضفة الغربية وليس 10% فقط.
وتوقع عريقات في تقريره أن يعلن ترامب موافقته ضم (إسرائيل) بعض مساحة الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية خلال شهرين أو ثلاثة، أي حتى شهر نيسان/ أبريل، وأن الحدود النهائية بين الدولتين سيتم تحديدها في المفاوضات.
وكان نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس التقى السبت الماضي، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة حيث بدأ جولته الشرق أوسطية، على أن يتوجه بعدها إلى الأردن ثم إلى الأراضي المحتلة سنة 48.
وتلقى زيارة بنس، تنديدا من السلطة الفلسطينية التي رفضت لقاء بنس في ديسمبر الماضي، على إثر قرار ترامب.
إسقاط الصفقة
وقال الكاتب والمراقب السياسي د. أيوب عثمان، إن لدى الدول العربية إمكانية كبيرة لإسقاط صفقة القرن، وهذه الإمكانية خطيرة جدًا على الأمريكان والإسرائيليين، لكن العرب لا يريدون.
وقال عثمان لصحيفة "فلسطين": "إن العرب شركاء في المؤامرة ضد الفلسطينيين، وربما هم من يحرض الأمريكان والإسرائيليين على التآمر على شعبنا".
وأكد أن أمريكا تستهدف حق عودة اللاجئين الذي أقرته قرارات أممية قبل سنوات طويلة، من خلال تقليص المساعدات المقدمة لها، فيما لا يفعل عباس شيئًا لتحفيف الضغوط الواقعة على الشعب الفلسطيني.
كما شدد عثمان على ضرورة إجراء عملية مراجعة كاملة من قِبل أصحاب القرار للسياسة الفلسطينية، والمآل الذي وصلت إليه هذه السياسة كما يتوجب تنفيذ أي قرارات جديدة يتم إقرارها، وخاصة ما يتعلق بالقرارات الصادرة عن المجلس المركزي المتعلقة بوقف التنسيق الأمني وتجميد الاعتراف بدولة الاحتلال.
وتساءل عثمان أين قرارات المجلس المركزي التي اتخذت في مارس/ آذار 2015، والتي لم ينفذ منها شيء على الإطلاق؟
وشدد على ضرورة وضع حدٍ للاستهتار الخطير في تنفيذ القرارات الفلسطينية.