أشبه بزنزانة، أوسع من وطن مسروق، اختصر المسافة بين البحر المتوسط وبين الصخر والسهل وطريق الشتات الشاق الطويل بهذه المسافة الشقية داخل مركز توزيع «المؤن» في المخيم.
ممر من ثلاثة أمتار لا يتسع إلا لشخص واحد، على اليمين حائط من الأسلاك الحديدية المربعة، وعلى اليسار إطلالة على ما تصدقت به «الأونروا» لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين. برزخ بين الجوع الكافر وبين الشبع المنقوص.
كنا صغاراً، على وجوهنا سيماء النكبة وفي أرواحنا وطن مكسور. حفنة سكر مقابل بيارة من برتقال يافا، أوقية عدس مقابل حقل من سهل بيسان، رطل قمح مقابل وطن لم يكن يعرف الجوع.
نخرج من «الزنزانة» محملين بمخصصات الشهر المكتوب على «كرت المؤن» الوثيقة الوحيدة المعترف بها دولياً أننا لاجئون «حظينا» بوثائق وجوازات سفر في الدول المضيفة لكي لا ينسى العالم أننا لاجئون من وطن اسمه فلسطين صار يسمى «إسرائيل»!
كارت المؤن هذا يعني حق العودة للاجئين. وهو الحق الذي تضاءل إلى حلم ثم وهم قياساً إلى ما آلت إليه القضية الفلسطينية. وهو أحد الأقانيم الثلاثة للب القضية.
وهي: القدس والعودة والحدود. أما وقد شطب ترامب القدس ومنحها عاصمة أبدية لإسرائيل، فإنه يقدم الآن على البند الثاني وهو العودة المتمثل في «الاونروا» بمعناها الرمزي باعتبارها شاهداً على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المدن والقرى التي هجرهم اليهود منها في حيفا ويافا واللد والرملة وعكا العام 1948.
فقد نقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس ترامب أبلغت الأمم المتحدة أنها جمدت مبلغ 125 مليون دولار كان من المقرر دفعها في الأول من الشهر الجاري.
إلا أنها قد جمدت. ووفق المسؤولين الثلاثة الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم نظراً للحساسية السياسية، فإن إدارة ترامب تدرس قطع مبلغ 180 مليون دولار من مساهمتها في ميزانية الأونروا بدعوى أن الأمر مرهون برفض السلطة الفلسطينية حيث استئناف المفاوضات سيدفع إلى عقوبات مالية عليها من جانب واشنطن ومن ضمن العقوبات وقف الإسهام في ميزانية الأونروا.
والولايات المتحدة أكبر مانح للأونروا، وقدمت تعهدات بنحو 370 مليون دولار حتى 2016، وفقاً للموقع الإلكتروني للوكالة، والاتحاد الأوروبي هو ثاني المساهمين بنحو 160 مليون دولار.
هنا، وحين تعلق الأمر بالمال الأميركي حتى لو كان قطعه عن الأونروا سيؤدي في المحصلة النهائية إلى شطب حق العودة، فقد تحول نتنياهو إلى شايلوك حقيقي، وأصبح نسخة عن شايلوك شكسبير في تاجر البندقية.
فقد أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي حذره فيما يتعلق بالتهديد الأميركي بقطع المساعدات عن الفلسطينيين وامتنع عن تأييد قطع التمويل في معرض تكرار نداءاته بحل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
تعليقات نتنياهو العلنية تعكس رغبة في إظهار التأييد لحليف رئيسي وفي الوقت نفسه تبدي تخوفاً من أن يؤدي قطع المعونات إلى تعميق معاناة الفلسطينيين بما قد يدفع إسرائيل والفلسطينيين إلى شفا الحرب.
والمقصود طبعاً انتفاضة ثالثة حقيقية. القناة العاشرة العبرية قالت إن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة وطاقمه يعترضون على قرار الرئيس الأميركي تجاه الأونروا لأن من شأنه أن يؤدي إلى مشاكل أمنية وانهيار المرافق في غزة.منظمة «هيومن رايتس ووتش» انتقدت تجميد واشنطن 125 مليون دولار من مساهمتها في «الأونروا».
واصفة ذلك بالتصرف الذي تسعى من خلاله واشنطن لابتزاز الفلسطينيين. وقالت المنظمة في صفحتها على «تويتر»، إن «الأونروا» تقدم خدمات إلى 5.3 ملايين لاجئ فلسطيني وتشغل 711 مدرسة و143 عيادة صحية.
الإسرائيليون يعتبرون «الأونروا» قنبلة موقوته لأنها تعني حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، ما يعني إصلاح الخطأ التاريخي المسمى «إسرائيل». ها هو ترامب يمسك القلم ليشطب حق العودة، بعد القدس، و... ها هنا نحن قاعدون!