بصفتي مختار عائلة أبو شمالة، دعيت كي أشهد لحظة إعدام العميل الذي تسبب في مقتل عدد من قادة كتائب القسام، ومنهم الشهيد محمد أبو شمالة، لقد كانت الدعوة مقتصرة على عدد من أهالي العائلات الذين قدموا كي يشهدوا لحظة القصاص من قتلة أبنائهم.
كان المشهد محزناً، ومهيجاً للذاكرة، فهذا الشخص الذي ينزلونه من السيارة، ويضعونه في مرمى إطلاق النار، منتظراً نهايته البائسة المهينة، هذا الشخص متهم بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، واعترف بأنه قدم له الخدمة والمعلومة، كي تنجح جيوش العدو في تدمير أهله وقومه وأبناء جلدته في مدينة رفح، هذا الشخص اشترى يومه بغد الشعب الفلسطيني كله، واشترى مصلحته الشخصية وباع مصلحة الوطن، انتفع ببعض المال ليسوق الموت لأعز الرجال، هذا الشخص لبس ثوب المذلة والعار كي يلبس أعداؤنا ثوب الفخار، ويتبجحوا بقدراتهم على تتبع خطى المقاومين، هذا الشخص تعامل مع العدو، وهو يدرك أن النتيجة الحتمية لهذه العلاقة هي الموت الذليل، ومع ذلك تحايل على الخوف والرعب ثلاث سنوات، كان يأكل ويشرب وينام خلالها في فزعٍ، انتظاراً لهذه اللحظة التي لن تتخطاه أبداً.
وما أطول الزمن الذي وقف فيه العميل ذليلاً، ينتظر رصاصة القصاص! وما أقصر الزمن الذي حلقت فيه بعيداً، وأنا أستعرض مشاهد إنسانية جمعتني مع بعض الشهداء، لقد شاهدتهم فرحين بما وصلت إليه المقاومة من قدرات وإمكانات، وكانوا يبتسمون وهم يطلون على مشهد إعدام عميل من شقوق الغيم، ومن خلف ستائر الريح العاصف، كانوا يرقبون بعيوننا تصفية عميل طعن المقاومة من الخلف، في رواية تحاكي المشهد الفلسطيني الذي يفترض وجود العميل طالما وُجد المقاوم، فلا غرابة في ذلك، ففي المشهد الفلسطيني صورتان متقابلتان متناقضتان، ترى في الأولى الشهيد الذي ضحى بعمره وروحه ودمائه من أجل شعبه وأهله، وترى في الثانية العميل الذي ضحى بشعبه وأهله وأمه كي لا يواجه هذه اللحظة التي يهدر فيها دمه من أبناء عائلته، الذي قرروا تطهير اسم عائلتهم برصاصهم هم لا برصاص غيرهم.
إعدام عميل حدث لم يعد يثير انفعالات الشعب الفلسطيني في هذا الزمن، فالشعب يعرف أن العملاء صناعة إسرائيلية، لها عدة أشكال ونماذج ومستويات، فإذا نجحت المقاومة في محاسبة العميل الميداني، فإن المطلوب من الشعب محاسبة العميل السياسي والعميل الاقتصادي والعميل الإعلامي والعميل الخدماتي، والعميل الفكري، حتى تشابه البقر على الشعب الفلسطيني، واختلطت الصورة، ولا سيما مع تطور تكنولوجيا صناعة العملاء، ونجاح المخابرات الإسرائيلية في تطوير قدراتهم التقنية، حتى باتوا قادرين على إخفاء معالم أفعالهم المشوهة.
إعدام عميل في مدينة رفح قد يردع البعض، ولكنه لن يصفي الساحة الفلسطينية من العملاء، فالمشنقة الحقيقية للعملاء هي الموقف السياسي الفلسطيني، فالاعتراف بحق عدونا في هذه البلاد هو اعتراف بحقه في السلامة والأمن، وتشويه سيرة المقاومة الفلسطينية هو تشويه لروح الوفاء والانتماء لدى الشباب، ومن المؤكد أن التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي سيوقع الشباب في حسن الظن بالعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا مكمن الخطر على المجتمع برمته.